الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر إرسال عمرو بن أمية لقتل أبي سفيان

ولما قتل عاصم وأصحابه بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمرو بن أمية الضمري إلى مكة مع رجل من الأنصار ، وأمرهما بقتل أبي سفيان بن حرب ، قال عمرو : فخرجت أنا ومعي بعير لي وبرجل صاحبي علة ، فكنت أحمله على بعيري حتى جئنا بطن يأجج ، فعقلنا بعيرنا في الشعب وقلت لصاحبي : انطلق بنا إلى أبي سفيان لنقتله ، فإن خشيت شيئا فالحق بالبعير ، فاركبه والحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره الخبر ، وخل عني . وأوغل بالبلد يحث السياق .

فدخلنا مكة ومعي خنجر قد أعددته إن عاقني إنسان ضربته به ، فقال لي صاحبي : هل لك أن نبدأ فنطوف ونصلي ركعتين ؟ فقلت : إن أهل مكة يجلسون بأفنيتهم وأنا أعرف بها . فلم نزل حتى أتينا البيت فطفنا وصلينا ، ثم خرجنا فمررنا بمجلس لهم ، فعرفني بعضهم فصرخ بأعلى صوته : هذا عمرو بن أمية ! فثار أهل مكة إلينا وقالوا : ما جاء إلا لشر ، وكان فاتكا متشيطنا في الجاهلية . فقلت لصاحبي : النجاء ! هذا الذي كنت أحذر ، أما أبو سفيان فليس إليه سبيل ، فانج بنفسك .

فخرجنا نشتد حتى صعدنا الجبل ، فدخلنا غارا فبتنا فيه ليلتنا ، ننتظر أن يسكن الطلب . قال : فوالله إني لفيه إذ أقبل عثمان بن مالك التيمي يتخيل بفرس له ، فقام على باب الغار ، فخرجت إليه فضربته بالخنجر ، فصاح صيحة أسمع أهل مكة ، فأقبلوا إليه ورجعت إلى مكاني ، فوجدوه وبه رمق ، فقالوا : من ضربك ؟ قال : عمرو بن أمية ، ثم مات ولم يقدر يخبرهم بمكاني ، وشغلهم قتل صاحبهم عن طلبي ، فاحتملوه .

ومكثنا في الغار يومين حتى سكن عنا الطلب ، ثم خرجنا إلى التنعيم ، فإذا بخشبة خبيب وحوله حرس ، فصعدت خشبته واحتملته على ظهري ، فما مشيت به إلا نحو أربعين خطوة حتى نذروا بي فطرحته ، فاشتدوا في أثري ، فأخذت الطريق فأعيوا ورجعوا ، وانطلق صاحبي فركب البعير وأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، وأما خبيب فلم ير بعد ذلك وكأن الأرض ابتلعته .

[ ص: 58 ] قال : وسرت حتى دخلت غارا بضجنان ومعي قوسي وأسهمي ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي رجل من بني الدئل أعور ، طويل ، يسوق غنما ، فقال : من الرجل ؟ قلت : من بني الدئل ، فاضطجع معي ورفع عقيرته يتغنى ويقول :


ولست بمسلم ما دمت حيا ولست أدين دين المسلمينا



ثم نام فقتلته ثم سرت ، فإذا رجلان بعثتهما قريش يتجسسان أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرميت أحدهما بسهم فقتلته واستأسرت الآخر ، فقدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبرته الخبر ، فضحك ودعا لي بخير .

وفي هذه السنة تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زينب بنت خزيمة أم المساكين من بني هلال في شهر رمضان ، وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث فطلقها .

وولي المشركون الحج في هذه السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية