الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وإن لاعن لرؤية ، وادعى الوطء قبلها ، وعدم الاستبراء فلمالك في إلزامه به ، وعدمه ، ونفيه أقوال ابن القاسم ، ويلحق إن ظهر يوما )

                                                                                                                            ش : وهذه المسألة داخلة في عموم المسألة التي فرغنا منها ; لأن فرض المسألة الأولى أنه لم يدع الاستبراء ، وهذه أخص ; لأنه ادعى أنه وطئ ، واقتصر المصنف في تلك على قول واحد ، وذكر هنا لمالك ثلاثة أقوال ، ويشير إلى قوله في المدونة ومن قال : رأيت امرأتي تزني ، ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني كنت ، وطئتها قبل الرؤية في اليوم أو قبله ، ولم استبرئ فإنه يلاعن قال مالك : ولا يلزمه ما أتت به من ولد قال ابن القاسم : إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية فيلزمه ، وقد اختلف في ذلك قول مالك فمرة ألزمه الولد ، ومرة لم يلزمه الولد ، ومرة قال ينفيه ، وإن كانت حاملا قال ابن القاسم : وأحب ما فيه إلي أنه إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد يلحق به إذا التعن على الرؤية انتهى لفظ التهذيب ، واختلف شيوخ المدونة في فهم كلامها فمنهم من فهم المدونة على ظاهرها ، وإن قول مالك اختلف على ثلاثة أقوال فمرة ألزمه الولد .

                                                                                                                            وإن لم ينفه باللعان الأول ، وألحقه به ، وإن ، ولدته لأكثر من ستة أشهر من يوم الرؤية إلا أن ينفيه بلعان ثان ، وقوله مرة لم يلزمه أي ليس في اللعان الأول تعرض للولد ، فيبقى الأمر موقوفا فإن نفاه بلعان ثان ، انتفى وإن استلحقه لحق به ، وقوله ، ومرة قال بنفيه يعني أن الولد ينتفي باللعان الأول ، فلا يلحق به فإن ادعاه بعد ذلك حد ، ولحق به هكذا قرر الأقوال الثلاثة في التوضيح ، ومنهم من فهم المدونة على أنه ليس فيها إلا قولين الأول أن الولد منفي ، وإن أتت به لأقل من ستة أشهر ، وهو معنى قوله ، ومرة لم يلزمه الولد ، وقوله بعده [ ص: 135 ] مرة قال بنفيه تأكيد لهذا القول ، والقول الثاني الفرق بين أن يولد لستة أشهر فأكثر أو لأقل ، وهو معنى قوله في المدونة فمرة ألزمه الولد لكن على أن هذا القول مقيد بكلام ابن القاسم أعني قوله إلا أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية ، وعلى هذا التأويل حمل المدونة ابن رشد وابن لبابة .

                                                                                                                            ( تنبيهات الأول ) : ظاهر التهذيب أن هذا التقييد لابن القاسم ، وأنه ليس من كلام مالك ، وقبله المصنف في التوضيح ، وغيره ، وظاهر كلام الأم أنه لمالك ، وسيأتي نصه ( الثاني ) هذا الخلاف جار سواء كانت يوم الرؤية ظاهرة الحمل أم لا ، ولهذا قال ابن القاسم : وأحب ما فيه إلي إن كان لها يوم الرؤية حمل ظاهر لا يشك فيه أن الولد لاحق قال في التوضيح : وتفصيل ابن القاسم ظاهر ; لأنه لا يلزم من لعانه لنفي الحد نفي حمل ظاهر ، والظاهر أنه لا يشترط الظهور بل إنما يشترط أن تأتي به لأقل من ستة أشهر من يوم الرؤية ، ولو قيل إنه للأول ، ولو أتت به لستة أشهر ; لأن وضع الولد لستة أشهر نادر ، والأصل إلحاق الولد بالفراش لكان أحسن انتهى .

                                                                                                                            قلت الذي اختاره ابن القاسم في المدونة ظاهر ; لأنه يقول إن كانت ظاهرة الحمل يوم الرؤية ، فالولد لاحق به إذا لم يدع الاستبراء يريد ، ولو أتت به لأكثر من ستة أشهر ، وإن لم تكن ظاهرة الحمل ، فالذي صدر به ابن القاسم أنه إن أتت به لأقل من ستة أشهر ، فهو لاحق ، وإلا فهو منفي باللعان للرؤية ، ونص كلامه الموعود به قلت فإن قال : رأيتها تزني الساعة ، ولم أجامعها بعد ذلك إلا أني قد كنت جامعتها من قبل أن أراها فقال مالك : يلتعن ، ولا يلزمه الولد قلت فإن جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من بعد ما التعن أيلزمه قال : نعم ; لأن الحمل قد كان من قبل أن يراها تزني ، وقد اختلف قول مالك فمرة ألزمه الولد ، ومرة لم يلزمه إياه ، ومرة قال : بنفيه ، وإن كانت حاملا ، وأحب ما فيه إلي أنه إذا رآها تزني ، وبها حمل ظاهر لا شك فيه أنه يلحق به الولد إذا التعن على الرؤية ( الثالث ) قال في التوضيح : فإن قيل في قول ابن القاسم أحب إلي نظر إذ هو موضع الجزم لعظم أمر الأنساب ، وإنما يقال أحب في باب العبادات قيل إنما حمله على ذلك اضطراب مدرك الإمام ، فلم يستطع الجزم بمخالفته انتهى .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية