قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29042_33953ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=16وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17والله أنبتكم من الأرض نباتا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=18ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا في هذه الآية مع ما قبلها ثلاثة براهين من براهين البعث الأربعة التي كثر مجيئها في القرآن :
الأولى : خلق الإنسان :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قل يحييها الذي أنشأها أول مرة [ 36 \ 79 ] .
والثانية : خلق السماوات والأرض :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس [ 40 \ 57 ] .
[ ص: 310 ] والثالثة : إحياء الأرض بعد موتها :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=39فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى [ 41 \ 39 ] .
والرابع : الذي لم نذكر هنا هو إحياء الموتى بالفعل ، كقتيل
بني إسرائيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=73فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى [ 2 \ 73 ] .
وقد تقدم تفصيل ذلك في أكثر من موضع للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - وهنا سياق هذه البراهين للرد على المكذبين بالبعث ، ولكن في هذا السياق إشكال فيما يبدو كبير وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا [ 71 \ 15 ] .
وإذا كان السياق للاستدلال بالمعلوم المشاهد على المجهول الغيبي ، فإن خلق الإنسان أطوارا محسوس مشاهد ومسلم به ، وإنبات الإنسان من الأرض بإطعامه من نباتها ، وإحياؤها بعد موتها ، واهتزازها ، وإنباتها النبات أمر محسوس .
ويمكن أن يقال للمخاطب : كما شاهدت خلق الإنسان من عدم وتطوره أطوارا ، وشاهدت إحياء الأرض الميتة ، فإن الله الذي خلقك وأحيا لك الأرض الميتة قادر على أن يعيدك ويخرجك منها إخراجا .
ولكن كيف تقول : وكما شاهدت خلق السماوات سبعا طباقا ، فإن القادر على ذلك قادر على بعثك . والحال أن الإنسان لم يشاهد خلق السماوات سبعا طباقا ، ولا رأى كيف خلقها الله سبعا طباقا ، والإشكال هنا هو كيف قيل لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15ألم تروا كيف [ 71 \ 15 ] .
والكيف للحالة والهيئة ، وهم لم يشاهدوها كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم [ 18 \ 51 ] .
وكيف يستدلون بالمجهول عندهم على المغيب عنهم ؟
وهنا تساءل
ابن كثير تساؤلا واردا ، وهو قوله : طباقا أي : واحدة فوق واحدة ، وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط ؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس ، مما علم من التسيير والكسوفات . وأظنه يعني التسيير من السير ، فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضا ، فأدناها القمر في السماء الدنيا ، وذكر الكواكب السبعة في السماوات السبع ، وكلام أهل الهيئة ولم يتعرض للإشكال بحل يركن إليه .
[ ص: 311 ] وقال
القرطبي : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15ألم تروا كيف على جهة الإخبار لا المعاينة .
كما تقول : ألم تر كيف فعلت بفلان كذا ؟
وعلى كلام
القرطبي يرد السؤال الأول ، إذا كان ذلك على جهة الإخبار ، فكيف يجعل الخبر دليلا على خبر آخر لا يدرك إلا بالسمع ؟
والجواب عن ذلك مجملا مما تشير إليه آيات القرآن الكريم كالآتي :
أولا : إن تساؤل
ابن كثير هل يتلقى ذلك من جهة السمع فقط ؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس ، لا محل له ; لأنه لا طريق إلا النقل فقط ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم [ 18 \ 51 ] ، أي :
آدم . فلم نعلم كيف خلق ، ولا كيف سارت الروح في جسم جماد صلصال ، فتحول إلى جسم حساس نام ناطق .
وأما قول
القرطبي : إنه على جهة الإخبار لا المعاينة ، فهو الذي يشهد له القرآن .
ويجيب القرآن على السؤال الوارد عليه ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود [ 41 \ 9 - 13 ] ; لأن الله تعالى خاطب هنا الكفار قطعا ; لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين .
وخاطبهم بأمور مفصلة لم يشهدوها قطعا من خلق الأرض في يومين ، ومن تقدير أقواتها في أربعة أيام ، ومن استوائه إلى السماء وهي دخان .
ومن قوله لها وللأرض :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ائتيا طوعا أو كرها .
ومن قولهما :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11أتينا طائعين .
[ ص: 312 ] ومن قضائهن سبع سماوات في يومين .
ومن وحيه في كل سماء أمرها .
كل ذلك تفصيل لأمور لم يشهدوها ولم يعلموا عنها بشيء ، ومن ضمنها قضاؤه سبع سماوات ، فكان كله على سبيل الإخبار لجماعة الكفار .
وعقبه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12ذلك تقدير العزيز العليم ; فكان مقتضى هذا الإخبار وموجب هذا التقدير من العزيز العليم ، أن يصدقوا أو أن يؤمنوا . وهذا من خصائص كل إخبار يكون مقطوعا بصدقه من كل من هو واثق بقوله : يقول الخبر ، وكان لقوة صدقه ملزما لسامعه ، ولا يبالي قائله بقبول السامع له أو إعراضه عنه .
ولذا قال تعالى بعد ذلك مباشرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فإن أعرضوا أي : بعد إعلامهم بذلك كله ، فلا عليك منهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود .
وحيث إن الله خاطبهم هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15ألم تروا كيف فكان هذا أمرا لفرط صدق الإخبار به ، كالمشاهد المحسوس الملزم لهم
وقد جاءت السنة ، وبينت تلك الكيفية أنها سبع طباق ، بين كل سماء والتي تليها مسيرة خمسمائة عام ، وشمل كل سماء وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام .
وقد يقال : إن الرؤية هنا في الكيفية حاصلة بالعين محسوسة ، ولكن في شخصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء والمعراج ; حيث عرج به ورأى السبع الطباق ، وكان يستأذن لكل سماء . ومشاهدة الواحد من الجنس كمشاهدة الجميع ، فكأننا شاهدناها كلنا لإيماننا بصدقه - صلى الله عليه وسلم - ولحقيقة معرفتهم إياه - صلى الله عليه وسلم - في الصدق من قبل . والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29042_33953أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=16وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=17وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=18ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا ثَلَاثَةُ بَرَاهِينَ مِنْ بَرَاهِينِ الْبَعْثِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي كَثُرَ مَجِيئُهَا فِي الْقُرْآنِ :
الْأُولَى : خَلْقُ الْإِنْسَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=79قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [ 36 \ 79 ] .
وَالثَّانِيَةُ : خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=57لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ [ 40 \ 57 ] .
[ ص: 310 ] وَالثَّالِثَةُ : إِحْيَاءُ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=39فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى [ 41 \ 39 ] .
وَالرَّابِعُ : الَّذِي لَمْ نَذْكُرْ هُنَا هُوَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى بِالْفِعْلِ ، كَقَتِيلِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=73فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى [ 2 \ 73 ] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - وَهُنَا سِيَاقُ هَذِهِ الْبَرَاهِينِ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُكَذِّبِينَ بِالْبَعْثِ ، وَلَكِنْ فِي هَذَا السِّيَاقِ إِشْكَالٌ فِيمَا يَبْدُو كَبِيرٌ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا [ 71 \ 15 ] .
وَإِذَا كَانَ السِّيَاقُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِالْمَعْلُومِ الْمُشَاهَدِ عَلَى الْمَجْهُولِ الْغَيْبِيِّ ، فَإِنَّ خَلْقَ الْإِنْسَانِ أَطْوَارًا مَحْسُوسٌ مُشَاهَدٌ وَمُسَلَّمٌ بِهِ ، وَإِنْبَاتُ الْإِنْسَانِ مِنَ الْأَرْضِ بِإِطْعَامِهِ مِنْ نَبَاتِهَا ، وَإِحْيَاؤُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا ، وَاهْتِزَازُهَا ، وَإِنْبَاتُهَا النَّبَاتَ أَمْرٌ مَحْسُوسٌ .
وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَاطَبِ : كَمَا شَاهَدْتَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ عَدَمٍ وَتَطَوُّرَهُ أَطْوَارًا ، وَشَاهَدْتَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَكَ وَأَحْيَا لَكَ الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَكَ وَيُخْرِجَكَ مِنْهَا إِخْرَاجًا .
وَلَكِنْ كَيْفَ تَقُولُ : وَكَمَا شَاهَدْتَ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا طِبَاقًا ، فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ عَلَى بَعْثِكَ . وَالْحَالُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَمْ يُشَاهِدْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا طِبَاقًا ، وَلَا رَأَى كَيْفَ خَلَقَهَا اللَّهُ سَبْعًا طِبَاقًا ، وَالْإِشْكَالُ هُنَا هُوَ كَيْفَ قِيلَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ [ 71 \ 15 ] .
وَالْكَيْفُ لِلْحَالَةِ وَالْهَيْئَةِ ، وَهُمْ لَمْ يُشَاهِدُوهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [ 18 \ 51 ] .
وَكَيْفَ يَسْتَدِلُّونَ بِالْمَجْهُولِ عِنْدَهُمْ عَلَى الْمُغَيَّبِ عَنْهُمْ ؟
وَهُنَا تَسَاءَلَ
ابْنُ كَثِيرٍ تَسَاؤُلًا وَارِدًا ، وَهُوَ قَوْلُهُ : طِبَاقًا أَيْ : وَاحِدَةً فَوْقَ وَاحِدَةٍ ، وَهَلْ هَذَا يُتَلَقَّى مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ فَقَطْ ؟ أَوْ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ ، مِمَّا عُلِمَ مِنَ التَّسْيِيرِ وَالْكُسُوفَاتِ . وَأَظُنُّهُ يَعْنِي التَّسْيِيرَ مِنَ السَّيْرِ ، فَإِنَّ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ يَكْسِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَأَدْنَاهَا الْقَمَرُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، وَذَكَرَ الْكَوَاكِبَ السَّبْعَةَ فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَكَلَامَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِشْكَالِ بِحَلٍّ يُرْكَنُ إِلَيْهِ .
[ ص: 311 ] وَقَالَ
الْقُرْطُبِيُّ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ لَا الْمُعَايَنَةِ .
كَمَا تَقُولُ : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلْتُ بِفُلَانٍ كَذَا ؟
وَعَلَى كَلَامِ
الْقُرْطُبِيِّ يَرِدُ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ ، إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ ، فَكَيْفَ يُجْعَلُ الْخَبَرُ دَلِيلًا عَلَى خَبَرٍ آخَرَ لَا يُدْرَكُ إِلَّا بِالسَّمْعِ ؟
وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مُجْمَلًا مِمَّا تُشِيرُ إِلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ كَالْآتِي :
أَوَّلًا : إِنَّ تَسَاؤُلَ
ابْنِ كَثِيرٍ هَلْ يُتَلَقَّى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السَّمْعِ فَقَطْ ؟ أَوْ هُوَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُدْرَكَةِ بِالْحِسِّ ، لَا مَحَلَّ لَهُ ; لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَّا النَّقْلُ فَقَطْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ [ 18 \ 51 ] ، أَيْ :
آدَمُ . فَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ خُلِقَ ، وَلَا كَيْفَ سَارَتِ الرُّوحُ فِي جِسْمِ جَمَادٍ صَلْصَالٍ ، فَتَحَوَّلَ إِلَى جِسْمٍ حَسَّاسٍ نَامٍ نَاطِقٍ .
وَأَمَّا قَوْلُ
الْقُرْطُبِيِّ : إِنَّهُ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ لَا الْمُعَايَنَةِ ، فَهُوَ الَّذِي يَشْهَدُ لَهُ الْقُرْآنُ .
وَيُجِيبُ الْقُرْآنُ عَلَى السُّؤَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=10وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ [ 41 \ 9 - 13 ] ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ هُنَا الْكُفَّارَ قَطْعًا ; لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=9قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ .
وَخَاطَبَهُمْ بِأُمُورٍ مُفَصَّلَةٍ لَمْ يَشْهَدُوهَا قَطْعًا مِنْ خَلْقِ الْأَرْضِ فِي يَوْمَيْنِ ، وَمِنْ تَقْدِيرِ أَقْوَاتِهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ، وَمِنَ اسْتِوَائِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ .
وَمِنْ قَوْلِهِ لَهَا وَلِلْأَرْضِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا .
وَمِنْ قَوْلِهِمَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=11أَتَيْنَا طَائِعِينَ .
[ ص: 312 ] وَمِنْ قَضَائِهِنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ .
وَمِنْ وَحْيِهِ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا .
كُلُّ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِأُمُورٍ لَمْ يَشْهَدُوهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا عَنْهَا بِشَيْءٍ ، وَمِنْ ضِمْنِهَا قَضَاؤُهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ ، فَكَانَ كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ لِجَمَاعَةِ الْكُفَّارِ .
وَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=12ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ; فَكَانَ مُقْتَضَى هَذَا الْإِخْبَارِ وَمُوجِبُ هَذَا التَّقْدِيرِ مِنَ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ، أَنْ يُصَدِّقُوا أَوْ أَنْ يُؤْمِنُوا . وَهَذَا مِنْ خَصَائِصِ كُلِّ إِخْبَارٍ يَكُونُ مَقْطُوعًا بِصِدْقِهِ مِنْ كُلِّ مَنْ هُوَ وَاثِقٌ بِقَوْلِهِ : يَقُولُ الْخَبَرَ ، وَكَانَ لِقُوَّةِ صِدْقِهِ مُلْزِمًا لِسَامِعِهِ ، وَلَا يُبَالِي قَائِلُهُ بِقَبُولِ السَّامِعِ لَهُ أَوْ إِعْرَاضِهِ عَنْهُ .
وَلِذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ مُبَاشَرَةً :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَإِنْ أَعْرَضُوا أَيْ : بَعْدَ إِعْلَامِهِمْ بِذَلِكَ كُلِّهِ ، فَلَا عَلَيْكَ مِنْهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=13فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ .
وَحَيْثُ إِنَّ اللَّهَ خَاطَبَهُمْ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=15أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا لِفَرْطِ صِدْقِ الْإِخْبَارِ بِهِ ، كَالْمُشَاهَدِ الْمَحْسُوسِ الْمُلْزِمِ لَهُمْ
وَقَدْ جَاءَتِ السُّنَّةُ ، وَبَيَّنَتْ تِلْكَ الْكَيْفِيَّةَ أَنَّهَا سَبْعٌ طِبَاقٌ ، بَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَالَّتِي تَلِيهَا مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ ، وَشَمْلُ كُلِّ سَمَاءٍ وَسُمْكُ كُلِّ سَمَاءٍ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ .
وَقَدْ يُقَالُ : إِنَّ الرُّؤْيَةَ هُنَا فِي الْكَيْفِيَّةِ حَاصِلَةٌ بِالْعَيْنِ مَحْسُوسَةٌ ، وَلَكِنْ فِي شَخْصِيَّةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ ; حَيْثُ عُرِجَ بِهِ وَرَأَى السَّبْعَ الطِّبَاقَ ، وَكَانَ يَسْتَأْذِنُ لِكُلِّ سَمَاءٍ . وَمُشَاهَدَةُ الْوَاحِدِ مِنَ الْجِنْسِ كَمُشَاهَدَةِ الْجَمِيعِ ، فَكَأَنَّنَا شَاهَدْنَاهَا كُلُّنَا لِإِيمَانِنَا بِصِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِحَقِيقَةِ مَعْرِفَتِهِمْ إِيَّاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصِّدْقِ مِنْ قَبْلُ . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .