الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولرمضان فضيلة ليلة القدر ، وأنه أنزل فيه القرآن .

وكان مجاهد يقول : لا تقولوا رمضان ؛ فإنه اسم من أسماء الله تعالى ، ولكن قولوا : شهر رمضان .

وذو الحجة أيضا من الشهور الكثيرة الفضل فإنه شهر حرام وفيه الحج الأكبر وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول والأيام المعدودات ، وهي أيام التشريق وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول .

التالي السابق


ثم قال المصنف: (ولرمضان فضيلة ليلة القدر، وأنه أنزل فيه القرآن) ، ولفظ القوت: وأما شهر رمضان فإن الله تعالى خصه بتنزيل القرآن، وحصل فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وجعله مكانا لأداء فرضه الذي افترضه على عباده من الصيام، وشرفه بما أظهر فيه من عمارة بيوتهم بالقيام، ثم قال: (وقد كان مجاهد) هو ابن جبر أبو الحجاج المكي التابعي الجليل مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، إمام في القراءة والتفسير، روى له الجماعة، وتوفي سنة 104 (يقول: لا تقولوا رمضان؛ فإنه اسم من أسماء الله تعالى، ولكن قولوا: شهر رمضان) هكذا نقله صاحب القوت، قال: وقد رفعه إسماعيل بن أبي زياد، فجاء به مسندا. اهـ .

في كتاب الشريعة: رمضان اسم من أسمائه تعالى، وهو الصمد، ورد الخبر النبوي بذلك، روى أبو أحمد بن عدي الجرجاني من حديث نجيح بن معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رفعه بلفظ: لا تقولوا رمضان؛ فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى، قال: وإن كان في هذا أبو معشر؛ فإن علماء هذا الشأن قالوا فيه: إنه مع ضعفه يكتب حديثه فاعتبروه، وكذا قال الله تعالى: شهر رمضان ولم يقل: رمضان، وقال: فمن شهد منكم الشهر ولم يقل: رمضان، فتقوى بهذا حديث أبي معشر مع قول العلماء فيه أنه يكتب حديثه مع ضعفه، فزاد قوة في هذا الحديث بما أيده القرآن من ذلك. اهـ .

وفي المصباح قال بعض العلماء: يكره أن يقال: جاء رمضان، وشبهه إذا أراد به الشهر، وليس معه قرينة تدل عليه، وإنما قال: جاء شهر رمضان، واستدل بهذا الحديث؛ أي: المذكور، وهذا قد ضعفه البيهقي، وضعفه ظاهر؛ لأنه لم ينقل عن أحد من العلماء أن رمضان من أسماء الله تعالى، فلا يعمل به. والظاهر جوازه من غير كراهة كما ذهب إليه البخاري وجماعة من المحققين؛ لأنه لا يصح في الكراهة شيء، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة ما يدل على الجواز مطلقا؛ كقوله: إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة.. الحديث. وقال القاضي عياض: ففيه دليل على جواز استعماله من غير لفظ شهر خلافا لمن كره من العلماء، قلت: وتضعيف البيهقي له من قبل رواية إسماعيل ابن أبي زياد، فقد تكلم فيه أو أبي معشر نجيح ابن عبد الرحمن السنوي مولى بني هاشم، روى له أصحاب السنن، تقدم الكلام فيه أنه يكتب حديثه مع ضعفه، وهذا قول ابن عدي، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقال أحمد: صدوق مستقيم الإسناد، وأما إطلاق رمضان من غير ذكر الشهر، فقد جاء في عدة أحاديث، أشهرها: من قام رمضان إيمانا.. الحديث، وجاء أيضا بذكر الشهر منه قوله تعالى: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ولا بد لذكر الشهر مرة ولتركه أخرى من نكتة، وقد أشار إليها السهيلي في الروض [ ص: 111 ] ما حاصله أن ما ذكر مضافا لأشهر، فإن المراد به بعضه، وما ذكر بترك لفظ الشهر فالمراد به كله؛ فالقرآن ما نزل في جميع الشهر إنما هو في بعض لياليه، وقيام رمضان المطلوب فيه إدامة العمل به في جميع الشهر، وهو ظاهر، وقد ذكرته في شرحي على القاموس، فراجعه .

ثم قال المصنف رحمه الله: (وذو الحجة أيضا من الشهور الكثيرة الفضل) ، وهو بكسر الحاء، وبعضهم يفتح، وجمعه ذوات الحجة، ولفظ القوت: وأما ذو الحجة فإنا لا نعلم شهرا جمع خمس فضائل غيره (فإنه شهر حرام) وشهر حج (وفيه) يوم (الحج الأكبر) ، وهو يوم عرفة، وإنما قيل له بذلك؛ لأن العمرة تعرف بالحج الأصغر (وفيه الأيام المعلومات وهي العشر الأول) منه، وفي الحقيقة هي تسعة أيام، ولكن أطلق اسم العشر تغليبا، وهو سائغ (وفيه الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق) التي أمر الله تعالى بذكره فيها، وهي ثلاثة سوى يوم النحر عند الشافعي، وعند أبي حنيفة هي ثلاثة مع يوم النحر، (وأفضل أيام شهر رمضان العشر الأواخر) ؛ لما فيها ليلة القدر، (وأفضل أيام ذي الحجة العشر الأول) ؛ لما فيها يوم عرفة، وكل منها مفضل، قال صاحب القوت: وقد استحب بعض أهل الورع أن يقدم في كل سنة بشهر؛ لئلا يكون مؤخرا عن رأس الحول؛ لأنه إذا أخرج في شهر معلوم، ثم أخرج القابل في مثله، فإن ذلك الشهر يكون الثالث عشر، وهذا تأخير. فقالوا: إذا أخرج في رجب فليخرج من القابل في جمادى الأخيرة؛ ليكون آخر سنة بلا زيادة، وإذا أخرج في رمضان فليخرج من القابل في شعبان على هذا؛ لئلا يزيد على السنة شيء، وهذا حسن غامض، وليتق أن يكون مخرجا للفرض في كل شهر. اهـ .

قلت: وقد جاء في خصوص شهر رمضان حديث، أخرج الترمذي والديلمي من حديث أنس: أفضل الصدقة صدقة في رمضان. وأخرجه البيهقي في الشعب والخطيب في التاريخ وسليم الرازي في جزئه من حديثه أيضا بلفظ: أفضل الصدقة في رمضان. وقد تكلم ابن الجوزي في هذا الحديث وعله بأحد رواته صدقة بن موسى، قال ابن معين: ليس بشيء، وإنما خص رمضان بذلك؛ لما فيه من إفاضة الرحمة على عباده أضعاف ما يفيضها في غيره، فكانت الصدقة فيه أعظم قربا منها في غيرها، ولفظ الصدقة أعم في الواجب والتطوع، وقيل: يسمى الواجب صدقة إذا تحرى الصدق في فعله كما سيأتي .




الخدمات العلمية