الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمر بن عبد العزيز عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أيما رجل أفلس فأدرك الرجل ماله بعينه فهو أحق به من غيره قال مالك في رجل باع من رجل متاعا فأفلس المبتاع فإن البائع إذا وجد شيئا من متاعه بعينه أخذه وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه فصاحب المتاع أحق به من الغرماء لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد بعينه فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فذلك له قال مالك ومن اشترى سلعة من السلع غزلا أو متاعا أو بقعة من الأرض ثم أحدث في ذلك المشترى عملا بنى البقعة دارا أو نسج الغزل ثوبا ثم أفلس الذي ابتاع ذلك فقال رب البقعة أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان إن ذلك ليس له ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري ثم ينظر كم ثمن البقعة وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ثم يكونان شريكين في ذلك لصاحب البقعة بقدر حصته ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان قالمالك وتفسير ذلك أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمس مائة درهم فتكون قيمة البقعة خمس مائة درهم وقيمة البنيان ألف درهم فيكون لصاحب البقعة الثلث ويكون للغرماء الثلثان قال مالك وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا ولحق المشتري دين لا وفاء له عنده وهذا العمل فيه قال مالك فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئا إلا أن تلك السلعة نفقت وارتفع ثمنها فصاحبها يرغب فيها والغرماء يريدون إمساكها فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به ولا ينقصوه شيئا وبين أن يسلموا إليه سلعته وإن كانت السلعة قد نقص ثمنها فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ سلعته ولا تباعة له في شيء من مال غريمه فذلك له وإن شاء أن يكون غريما من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له وقال مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده ثم أفلس المشتري فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك فيعطونه حقه كاملا ويمسكون ذلك

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          1383 1364 - ( مالك عن يحيى بن سعيد ) الأنصاري ( عن أبي بكر بن محمد بن عمرو ) بفتح العين ( ابن حزم ) بالمهملة والزاي ( عن عمر بن عبد العزيز ) بن مروان الأموي الخليفة العادل ( عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ) بن المغيرة المخزومي ، وفي هذا السند أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ( عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 494 ] أيما رجل أفلس فأدرك ) أي وجد ( الرجل ) الذي باعه وأقرضه ( ماله بعينه فهو أحق به من غيره ) من غرماء المفلس ، وبهذا قال الجمهور ، وخالف الحنفية فقالوا : إنه كالغرماء لقوله تعالى : وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة ( سورة البقرة : الآية 280 ) فاستحق النظرة إليها بالآية ، وليس له الطلب قبلها ، ولأن العقد يوجب ملك الثمن للبائع في ذمة المشتري وهو الدين ، وذلك وصف في الذمة فلا يتصور قبضه ، وحملوا حديث الباب على المغصوب والعواري والإجارة والرهن وما أشبهها ، فإن ذلك ماله بعينه فهو أحق به ، وليس المبيع مال البائع ولا متاعا له ، وإنما هو مال المشتري ، إذ هو قد خرج عن ملكه وعن ضمانه بالبيع والقبض ، واستدل الطحاوي لذلك بحديث سمرة بن جندب : " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " من سرق له متاع أو ضاع له متاع فوجده في يد رجل بعينه فهو أحق به ، ويرجع المشتري على البائع بالثمن " رواه ابن ماجه والطبراني ، وأجيب بأن في سنده الحجاج بن أرطاة وهو كثير الخطأ والتدليس ، قال ابن معين : ليس بالقوي ، وإن روى له مسلم فمقرون بغيره ، ولنا أنه وقع النص في حديث الباب أنه في صورة البيع ، فأخرج ابن خزيمة وابن حبان من طريق سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد : " إذا ابتاع الرجل ثم أفلس وهي عنده بعينها فهو أحق بها من الغرماء " ولمسلم من رواية ابن أبي حسين عن أبي بكر بن محمد بسنده : " في الرجل الذي يعدم إذا وجد عنده المتاع ولم يعرفه إنه لصاحبه الذي باعه " فتبين أن الحديث وارد في صورة البيع فلا وجه لتخصيصه بما قاله الحنفية ، ولا خلاف أن صاحب الوديعة وما أشبهها أحق بها ، سواء وجدها عند المفلس أو غيره ، وقد شرطا الإفلاس في الحديث .

                                                                                                          قال البيهقي : وهذه الرواية الصحيحة الصريحة في البيع والسلعة تمنع من حمل الحكم فيها على الودائع والعواري والمغصوب مع تعليقه إياه في جميع الروايات بالإفلاس اهـ .

                                                                                                          وأيضا فصاحب الشرع جعل لصاحب المتاع الرجوع إذا وجده بعينه والمودع أحق بعينه ، سواء كان على صفته أو تغير عنها ، فلم يجز حمل الحديث عليه ووجب حمله على البائع لأنه إنما يرجع بعينه إذا كان على صفته لم يتغير ، فإذا تغير فلا رجوع له ، وأيضا لا مدخل للقياس إلا إذا عدمت السنة ، فإن وجدت فهي حجة على من خالفها ، وهذا الحديث تابع مالكا عليه زهير بن معاوية عند البخاري ، وسفيان الثوري في جامعه ، كلاهما عن يحيى بن سعيد نحوه .

                                                                                                          ( قال مالك في رجل باع من رجل متاعا فأفلس المبتاع فإن البائع إذا وجد شيئا من متاعه بعينه أخذه ) إذا وجده كله ( وإن كان المشتري قد باع بعضه وفرقه [ ص: 495 ] فصاحب المتاع أحق به من الغرماء لا يمنعه ما فرق المبتاع منه أن يأخذ ما وجد ) بنصيبه من الثمن ( بعينه ) لصدق الحديث بذلك ، ويحاصص بنصيب الغائب ، وإن شاء سلم ما وجد وحاص بالثمن كله .

                                                                                                          وقال الشافعي وأحمد : ليس له أن يرد من الثمن شيئا ، وإنما له أخذ ما بقي من سلعته لأنه لو قبض جميع الثمن لم يرده ويأخذ السلعة ، فكذا هنا .

                                                                                                          قال الباجي : وهذا لا يلزمنا ؛ لأنه إذا قبض جميع الثمن فقد سلم العقد بأخذ العوض ، وإذا قبض بعضه فقد أدرك بقية الثمن عيب الفلس ، فله أن يرد ما أخذ بتقسط على المبيع لئلا يدخل فيه ضرر الشركة ؛ لأنه إذا باع عبدا فرجع إليه جزء منه لحقه ضرر الشركة .

                                                                                                          ( فإن اقتضى من ثمن المبتاع شيئا ) قبل الفلس ( فأحب أن يرده ويقبض ما وجد من متاعه ويكون فيما لم يجد أسوة الغرماء فذلك له ) وإن أحب أن لا يأخذ ما وجد ويحاص بما بقي له فله ذلك أيضا .

                                                                                                          ( ومن اشترى من السلع غزلا أو متاعا أو بقعة ) بضم الباء قطعة ( من الأرض ثم أحدث في ذلك المشترى عملا ) كما إذا ( بنى البقعة دارا أو نسج الغزل ثوبا ثم أفلس الذي ابتاع ذلك فقال رب البقعة أنا آخذ البقعة وما فيها من البنيان : إن ذلك ليس له ) لأنها ليست متاعه بعينه فلم تدخل في الحديث ( ولكن تقوم البقعة وما فيها مما أصلح المشتري ) فيقال : ما قيمة هذه الدار مبنية ( ثم ينظر كم ثمن البقعة ) بأن يقال ما قيمتها براحا ( وكم ثمن البنيان من تلك القيمة ، ثم يكونان شريكين في ذلك لصاحب البقعة بقدر حصته ، ويكون للغرماء بقدر حصة البنيان ، وتفسير ذلك ) أي بيانه بالمثال ( أن تكون قيمة ذلك كله ألف درهم وخمسمائة درهم ، فتكون قيمة البقعة خمسمائة درهم ، وقيمة البنيان ألف درهم فيكون [ ص: 496 ] لصاحب البقعة الثلث ، ويكون للغرماء الثلثان ) والتقويم يوم الحكم ( وكذلك الغزل وغيره مما أشبهه إذا دخله هذا ولحق المشتري دين لا وفاء له ) عنده و ( هذا العمل فيه ، فأما ما بيع من السلع التي لم يحدث فيها المبتاع شيئا إلا أن تلك السلعة نفقت ) راجت ( وارتفع ) زاد ( ثمنها فصاحبها يرغب فيها والغرماء يريدون إمساكها ، فإن الغرماء يخيرون بين أن يعطوا رب السلعة الثمن الذي باعها به ولا ينقصونه شيئا ) وتكون لهم الزيادة الحاصلة فيها ( وبين أن يسلموا إليه سلعته ) لأنه إنما باعها بذلك الثمن فلم يجز تنقيصه عنه ( وإن كان قد نقص ثمنها فالذي باعها بالخيار إن شاء أن يأخذ سلعته ولا تباعة ) بكسر الفوقية بزنة ( كتابة ) ، الشيء الذي لك فيه بقية شبه ظلامة ونحوها كما في القاموس ، والمراد هنا لا رجوع ( له في شيء من مال غريمه فذلك له ، وإن شاء أن يكون غريما من الغرماء يحاص بحقه ولا يأخذ سلعته فذلك له ) فخيرته تنفي ضرره .

                                                                                                          ( وقال مالك فيمن اشترى جارية أو دابة فولدت عنده ثم أفلس المشتري فإن الجارية أو الدابة وولدها للبائع إلا أن يرغب الغرماء في ذلك ويعطونه ) حقه ( كاملا ويمسكون ذلك ) فإن فات الولد ببيع فلمالك في الموازية : له أخذ الأم بجميع الثمن أو يسلمها ويحاص الغرماء ، وله في العتبية : يقسم الثمن على الأم والولد ، فيأخذ الأم بحصتها ، ويحاص بما أصاب الولد .




                                                                                                          الخدمات العلمية