الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( ومن له على آخر ألف درهم فقال : أد إلي غدا منها خمسمائة على أنك بريء من الفضل ففعل فهو بريء ، فإن لم يدفع إليه الخمسمائة غدا عاد عليه الألف وهو قول أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف رحمه الله : لا يعود عليه ) ; لأنه إبراء مطلق ، ألا ترى أنه جعل أداء الخمسمائة عوضا حيث ذكره بكلمة على وهي للمعاوضة ، والأداء لا يصلح عوضا لكونه مستحقا عليه ، فجرى وجوده مجرى عدمه فبقي الإبراء مطلقا ، فلا يعود كما إذا بدأ بالإبراء . ولهما أن هذا إبراء مقيد بالشرط فيفوت بفواته ; لأنه بدأ بأداء الخمسمائة في الغد وأنه يصلح غرضا حذار إفلاسه وتوسلا إلى تجارة أربح منه وكلمة " على " إن كانت للمعاوضة فهي محتملة للشرط لوجود معنى المقابلة فيه ، فيحمل عليه عند تعذر الحمل على المعاوضة تصحيحا لتصرفه ، أو ; لأنه متعارف والإبراء مما يتقيد بالشرط ، وإن كان لا يتعلق به كما في الحوالة ، وسنخرج البداءة بالإبراء إن شاء الله تعالى . قال رضي الله عنه : وهذه المسألة على وجوه :

                                                                                                        أحدها ما ذكرناه .

                                                                                                        والثاني : إذا قال صالحتك من الألف على خمسمائة تدفعها إلي غدا ، وأنت بريء من الفضل على أنك إن لم تدفعها إلي غدا فالألف عليك على حاله . وجوابه : أن الأمر على ما قال ; لأنه أتى بصريح التقييد فيعمل به .

                                                                                                        والثالث : إذا قال أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني [ ص: 214 ] الخمسمائة غدا فالإبراء فيه واقع أعطى الخمسمائة أو لم يعط ; لأنه أطلق الإبراء أولا وأداء الخمسمائة لا يصلح عوضا مطلقا ولكنه يصلح شرطا فوقع الشك في تقييده بالشرط فلا يتقيد به ، بخلاف ما إذا بدأ بأداء خمسمائة ; لأن الإبراء حصل مقرونا به ، فمن حيث إنه لا يصلح عوضا يقع مطلقا ، ومن حيث إنه يصلح شرطا لا يقع مطلقا ، فلا يثبت الإطلاق بالشك فافترقا .

                                                                                                        والرابع : إذا قال أد إلي خمسمائة على أنك بريء من الفضل ولم يؤقت للأداء وقتا .

                                                                                                        وجوابه : أنه يصح الإبراء ، ولا يعود الدين ; لأن هذا إبراء مطلق ; لأنه لما لم يؤقت للأداء وقتا لا يكون الأداء غرضا صحيحا ; لأنه واجب عليه في مطلق الأزمان فلم يتقيد بل يحمل على المعاوضة ولا يصلح عوضا ، بخلاف ما تقدم ; لأن الأداء في الغد غرض صحيح .

                                                                                                        والخامس : إذا قال إن أديت إلي خمسمائة أو قال : إذا أديت ، أو متى أديت .

                                                                                                        فالجواب فيه : أنه لا يصح الإبراء ; لأنه علقه بالشرط صريحا ، وتعليق البراءة بالشروط باطل لما فيها من معنى التمليك حتى يرتد بالرد ، بخلاف ما تقدم ; لأنه ما أتى بصريح الشرط فحمل على التقييد به .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية