الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              2796 [ 1602 ] وعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تلقوا الجلب، فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار.

                                                                                              رواه البخاري (2162)، ومسلم (1519) (17)، وأبو داود (3437)، والترمذي (2221)، والنسائي ( 7 \ 257 )، وابن ماجه (2178).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله: لا يتلقى الركبان لبيع ) وفي لفظ آخر: (لا تلقوا الجلب) أي: لا تخرجوا للقاء الرفاق القادمة بالسلع، فتشتروها منها قبل أن تبلغ [ ص: 366 ] الأسواق. وقد اختلف أصحابنا في مسافة منع ذلك. فقيل: يومان. وقيل: ستة أميال. وقيل: قرب المصر.

                                                                                              قلت: هذه التحديدات متعارضة لا معنى لها؛ إذ لا توقيف، وإنما محل المنع أن ينفرد المتلقي بالقادم خارج السوق بحيث لا يعرف ذلك أهل السوق غالبا. وعلى هذا فيكون ذلك في القريب والبعيد حتى يصح قول بعض أصحابنا: لو تلقى الجلب في أطراف البلد، أو أقاصيه لكان تلقيا منهيا عنه، وهو الصحيح؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى عن تلقي السلع حتى تورد الأسواق. فلو لم يكن للسلعة سوق، فلا يخرج إليها؛ لأنه التلقي المنهي عنه. غير أنه يجوز أن يشتري في أطراف البلد؛ لأن البلد كله سوقها.

                                                                                              واختلف في وجه النهي عن ذلك. فقيل: ذلك لحق الله تعالى. وعلى هذا: فيفسخ البيع أبدا. وقال به بعض أصحابنا. وهذا إنما يليق بأصول أهل الظاهر. والجمهور على أنه لحق الآدمي لما يدخل عليه من الضرر.

                                                                                              ثم اختلفوا فيمن يرجع إليه هذا الضرر. فقال الشافعي : هو البائع، فيدخل عليه ضرر الغبن. وعلى هذا فلو وقع لم يفسخ، ويكون صاحبه بالخيار. وعلى هذا يدل ظاهر الحديث، فإنه قال فيه: ( إذا أتى سيده السوق فهو بالخيار ). وقال مالك : بل هم أهل السوق بما يدخل عليهم من غلاء السلع. ومقصود الشرع الرفق بأهل الحاضرة، كما قد قال: ( دع الناس يرزق الله بعضهم من بعض ). وكأن مالكا لم تبلغه هذه الزيادة، أو لم تثبت عنده أنها من قول النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى قول مالك فلا يفسخ، ولكن يخير أهل السوق، فإن لم يكن سوق، فأهل المصر بالخيار. وهل يدخل المتلقي معه، [ ص: 367 ] أو لا؛ قولان. سبب المنع عقوبته بنقيض قصده. وقد أجاز أبو حنيفة ، والأوزاعي التلقي إلا أن يضر بالناس فيكره. وهذه الأحاديث حجة عليهما.

                                                                                              و ( قوله: ولا تناجشوا ) أصل النجش: الاستثارة والاستخراج. ومنه سمي الصائد: ناجشا لاستخراجه الصيد من مكانه. والمراد به في الحديث: النهي عن أن يزيد في ثمن السلعة ليغر غيره، وكأنه استخرج منه في ثمن السلعة ما لا يريد أن يخرجه. فإذا وقع؛ فمن رآه لحق الله تعالى فسخ. ومن رآه لحق المشتري خيره، فإما رضي، وإما فسخ.

                                                                                              قال أبو عبيد الهروي : قال أبو بكر : أصل النجش: مدح الشيء وإطراؤه. فالناجش يغر المشتري بمدحه ليزيد في الثمن.




                                                                                              الخدمات العلمية