الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6406 17 - حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا الليث ، عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها : أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فخطب قال : يا أيها الناس ، إنما ضل من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها . .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 277 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 277 ] هذا طريق آخر في حديث عائشة المذكور في الباب الذي قبله بأتم منه ، أخرجه عن سعيد بن سليمان البزاز ، بتشديد الزاي الأولى البغدادي عن الليث بن سعد إلخ ، كذا هو عن عائشة عند الحفاظ من أصحاب ابن شهاب ، وشذ عمر بن قيس الماصر بكسر الصاد المهملة ، فقال : عن ابن شهاب ، عن عروة عن أم سلمة ، فذكر كحديث الباب سواء ، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب السرقة والطبراني ، وقال : تفرد به عمر بن قيس يعني من حديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها ، وقال الدارقطني : الصواب رواية الجماعة .

                                                                                                                                                                                  قلت : ما المانع من رواية هذا الحديث عن عائشة ، وعن أم سلمة كلتيهما

                                                                                                                                                                                  قوله " أن قريشا " أي القبيلة المشهورة ، ولكن الظاهر أن المراد بهم هاهنا من أدرك منهم القصة التي بمكة . قوله : " أهمتهم " أي جلبت إليهم هما ، أو صيرتهم في هموم بسبب ما وقع منها ، يقال : أهمني الأمر ، أي أقلقني ، والمعنى أهمتهم شأن المرأة التي سرقت ، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، وهي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل الذي كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، قتل أبوها كافرا يوم بدر ، قتله حمزة بن عبد المطلب ، ووهم من زعم أن له صحبة ، وقيل : هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد ، وهي بنت عم المذكورة ، وفيه نظر .

                                                                                                                                                                                  قوله : " التي سرقت " زاد يونس في روايته في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح ، وبين ابن ماجه في روايته أن المسروق القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا ، ويمكن الجمع بأن الحلي كان في القطيفة ، ووقع في رواية معمر ، عن الزهري في هذا الحديث أن المرأة المذكورة كانت تستعير المتاع وتجحده . أخرجه مسلم وأبو داود ، وقد تعلق به قوم ، فقالوا : من استعار ما يجب القطع فيه ، وجحده فعليه القطع ، وبه قال أحمد وإسحاق ، وقال أحمد : لا أعلم شيئا يدفعه ، وخالفهم المدنيون والكوفيون وجمهور العلماء والشافعي ، وقالوا : لا قطع فيه ، وحجتهم حديث الباب ، وقال ابن المنذر : قد يجوز أن تستعير المتاع وتجحده ، ثم سرقت ، فوجب القطع للسرقة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم " أي من يشفع عنده فيها أن لا تقطع ، إما بعفو وإما بفداء ، وأمر الفداء جاء في حديث مسعود بن الأسود ، ولفظه بعد قوله : " أعظمنا ذلك " ، فجئنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : نحن نفديها بأربعين أوقية ، فقال : تطهر خير لها ، وكأنهم ظنوا أن الحد يسقط بالفدية ، قلت : مسعود بن الأسود بن حارثة القرشي العدوي كان من أصحاب الشجرة ، واستشهد يوم مؤتة ، قوله : " ومن يجترئ عليه " من الاجتراء ، وقال بعضهم : يجترئ يفتعل من الجرأة

                                                                                                                                                                                  قلت : بل من الاجتراء ، كما قلنا ، والجرأة الإقدام على الشيء ، قوله : " حب رسول الله صلى الله عليه وسلم " بكسر الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة ، أي محبوبه ، وكان السبب في اختصاص أسامة بذلك ما أخرجه ابن سعد من طريق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين رضوان الله عليهم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسامة في حد ، وكان إذا شفع شفعه بتشديد الفاء ، أي قبل شفاعته ، قوله : " فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم " بالنصب ، وفي رواية قتيبة : " فكلمه أسامة " ، قوله : " أتشفع " بهمزة الاستفهام على سبيل الإنكار ، قوله : " وايم الله " بهمزة الوصل ، وقد مر الكلام فيه في كتاب الأيمان ، ووقع في رواية أبي الوليد : والذي نفسي بيده ، وفي رواية يونس ، والذي نفس محمد بيده ، قوله : " لو أن فاطمة بنت محمد " إنما خص فاطمة ابنته رضي الله عنها لأنها أعز أهله عنده ، قوله : " لقطع محمد يدها " ، وفي رواية أبي الوليد والأكثرين : " لقطعت يدها " ، وفي الأول تجريد .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية