الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ذرأ ]

                                                          ذرأ : في صفات الله - عز وجل - الذارئ وهو الذي ذرأ الخلق ، أي : خلقهم ، وكذلك البارئ ؛ قال الله - عز وجل - : ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا ، أي : خلقنا . وقال - عز وجل - : جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه . قال أبو إسحاق : المعنى يذرؤكم به ، أي : يكثركم بجعله منكم ومن الأنعام أزواجا ، ولذلك ذكر الهاء في " فيه " . وأنشد الفراء فيمن جعل " في " بمعنى الباء ، كأنه قال يذرؤكم به :


                                                          وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب



                                                          وذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا : خلقهم .

                                                          وفي حديث الدعاء : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق وذرأ وبرأ . وكأن الذرء مختص بخلق الذرية .

                                                          وفي حديث عمر رضي الله عنه كتب إلى خالد : وإني لأظنكم آل المغيرة ذرء النار ، يعني خلقها الذين خلقوا لها .

                                                          ويروى : ذرو النار - بالواو - يعني الذين يفرقون فيها ، من ذرت الريح التراب إذا فرقته .

                                                          وقال ثعلب في قوله تعالى : يذرؤكم فيه معناه : يكثركم فيه ، أي في الخلق .

                                                          قال : والذرية والذرية منه ، وهي نسل الثقلين .

                                                          قال : وكان ينبغي أن تكون مهموزة فكثرت ، فأسقط الهمز وتركت العرب همزها ، وجمعها ذراري . والذرء : عدد الذرية ، تقول : أنمى الله ذرأك وذروك ، أي : ذريتك .

                                                          قال ابن بري : جعل الجوهري الذرية أصلها ذريئة - بالهمز - فخففت همزتها ، وألزمت التخفيف . قال : ووزن الذرية على ما ذكره فعيلة من ذرأ الله الخلق ، وتكون بمنزلة مريقة ، وهي الواحدة من العصفر ، وغير الجوهري يجعل الذرية فعلية من الذريء ، وفعلولة ، فيكون الأصل ذرورة ثم قلبت الراء الأخيرة ياء لتقارب الأمثال ثم قلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسر ما قبل الياء فصار ذرية . والزرع أول ما تزرعه يسمى الذريء . وذرأنا الأرض : بذرناها . وزرع ذريء ، على فعيل . وأنشد لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود :


                                                          شققت القلب ثم ذرأت فيه     هواك فليم فالتأم الفطور



                                                          والصحيح ثم ذريت ، غير مهموز . ويروى ذررت . وأصل ليم لئم ، فترك الهمز ليصح الوزن .

                                                          والذرأ بالتحريك : الشيب في مقدم الرأس . وذرئ رأس فلان يذرأ إذا ابيض . وقد علته ذرأة أي شيب . والذرأة ، بالضم : الشمط . قال أبو نخيلة السعدي :


                                                          وقد علتني ذرأة بادي بدي     ورثية تنهض بالتشدد



                                                          بادي بدي : ، أي : أول كل شيء من بدأ فترك الهمز لكثرة الاستعمال وطلب التخفيف . وقد يجوز أن يكون من بدا يبدو إذا ظهر .

                                                          والرثية : انحلال الركب والمفاصل . وقيل : هو أول بياض الشيب . ذرئ ذرأ ، وهو أذرأ ، والأنثى ذرآء . وذرئ شعره وذرأ - لغتان - . قال أبو محمد الفقعسي :


                                                          قالت سليمى إنني لا أبغيه     أراه شيخا عاريا تراقيه
                                                          محمرة من كبر مآقيه     مقوسا قد ذرئت مجاليه
                                                          يقلي الغواني والغواني تقليه

                                                          هذا الرجز في الصحاح :

                                                          [ ص: 23 ] رأين شيخا ذرئت مجاليه قال ابن بري : وصوابه كما أنشدناه . والمجالي : ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه ، الواحد مجلى ، وهو موضع الجلا . ومنه يقال : جدي أذرأ وعناق ذرآء إذا كان في رأسها بياض ، وكبش أذرأ ونعجة ذرآء : في رءوسهما بياض . والذرآء من المعز : الرقشاء الأذنين وسائرها أسود ، وهو من شيات المعز دون الضأن .

                                                          وفرس أذرأ وجدي أذرأ ، أي أرقش الأذنين .

                                                          ملح ذرآني وذرآني : شديد البياض ، بتحريك الراء وتسكينها ، والتثقيل أجود ، وهو مأخوذ من الذرأة ، ولا تقل : أنذراني . وأذرأني فلان وأشكعني ، أي : أغضبني . وأذرأه ، أي : أغضبه وأولعه بالشيء .

                                                          أبو زيد : أذرأت الرجل بصاحبه إذراء إذا حرشته عليه وأولعته به فدبر به . غيره : أذرأته ، أي : ألجأته .

                                                          وحكى أبو عبيد أذراه ، بغير همز ، فرد ذلك عليه علي بن حمزة فقال : إنما هو أذرأه . وأذرأه أيضا : ذعره .

                                                          وبلغني ذرء من خبر ، أي طرف منه ولم يتكامل . وقيل : هو الشيء اليسير من القول . قال صخر بن حبناء :


                                                          أتاني عن مغيرة ذرء قول     وعن عيسى فقلت له : كذاكا



                                                          وأذرأت الناقة ، وهي مذرئ : أنزلت اللبن . قال الأزهري : قال الليث في هذا الباب : يقال ذرأت الوضين إذا بسطته على الأرض .

                                                          قال أبو منصور : وهذا تصحيف منكر ، والصواب درأت الوضين إذا بسطته على الأرض ثم أنخته عليه لتشد عليه الرحل .

                                                          وقد تقدم في حرف الدال المهملة ، ومن قال ذرأت بالذال المعجمة بهذا المعنى فقد صحف ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية