الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا صح ما ذكرنا من بيان لفظ الكفالة فلا فرق في صحة الكفالة بين أن يكون المكفول به حاضرا أو غائبا ، ولا فرق بين أن يكون مطلقا أو محبوسا لأن تعسر إحضاره بالحبس والغيبة جار مجرى إعسار الضامن بالمال ثم ثبت أن إعسار الضامن بالمال الذي ضمنه لا يمنع من صحة ضمانه فكذا تعذر إحضار المكفول به لا يمنع من صحة الكفالة ، ثم لا يخلو حال الكفالة من أحد أمرين :

                                                                                                                                            إما أن تكون مقيدة بزمان ومكان أو مطلقة ، فإن كانت مطلقة استحق مطالبة الكفيل عاجلا في المكان الذي تكفل فيه ، وإن كانت مقيدة بزمان ومكان فتقييدها بالزمان أن تقول على أنني أسلمه إليك بعد شهر ، فلا يستحق مطالبته قبل مضي الشهر ، وتقييدها بالمكان أن تقول على أنني أسلمه إليك بالبصرة ، أو في مجلس الحكم فلا يستحق مطالبته به في غير ذلك الموضع ، فإن سلمه الكفيل قبل الشهر فإن كان الحق الذي عليه مؤجلا لا يحل قبل الشهر أو كانت له بينة غائبة لا تحضر قبل شهر لم يبرأ بتسليمه إلا عند رأس الشهر ، وإن كان دينه حالا وبينته حاضرة برئ بتسليمه في الحال لأنه لا يستفيد بتأخيره شيئا ، وهكذا لو كفل به على أن يسلمه بالبصرة فسلمه في غيرها ، فإن كان يخاف عليه في الموضع الذي سلمه من يد غالبة أو كانت له بينة بالبصرة وفي حمله إلى البصرة مئونة لم يبرأ بتسليمه إلا بالبصرة ، وإن كان المكان آمنا والبينة حاضرة واستيفاء الحق ممكنا برئ بتسليمه : لأنه لا يستفيد بحمله إلى البصرة شيئا فلو كفل به إلى وقت فمضى الوقت ولم يأت به فإن كان المكفول به حاضرا مقدورا عليه حبس الكفيل حتى يأتي به ، وإن كان غائبا غير مقدور عليه فهو في حكم المعسر يجب إنظاره حتى يقدر عليه ولا يجوز حبسه كما لا يجوز حبس من أعسر بالدين حتى يوسر ، فلو سلم المكفول به نفسه برئ الكفيل من كفالته ، فإن أبى المكفول له أن يقبله أشهد المكفول به الدافع لنفسه أنه قد سلم نفسه في كفالة فلان وبرئ الكفيل منها ، وهكذا لو أحضره الكفيل فأبى المكفول له أن يقبله أشهد الكفيل على تسليمه فأبرأه الحاكم ، فإن تعذر فعدل من المسلمين فإن أبرأ نفسه من الكفالة برئ .

                                                                                                                                            [ ص: 466 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية