الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وقال الهدهد الخبير الصادق الأمين: وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ؛ كان في هذا العصر أقوام عظموا الشمس لما فيها من دفء؛ ومن أشعة تحيي زرعهم؛ ولذلك شاعت عبادة الشمس في أهل مصر؛ لأنهم أهل زرع؛ وفي سبإ; لأنهم أيضا أهل زرع؛ وأهل حدائق غلب؛ فشاعت فيهم عبادة الشمس ضلالا [ ص: 5448 ] لعقولهم؛ وفسادا لتفكيرهم؛ واستجابة لدعاة السوء بينهم؛ وفعلوا هذه العبادة من دون الله؛ أي أنهم عبدوها دون أن يعبدوا خالقها الذي خلقها؛ وخلق كل ما يكون؛ مما جعلها الله (تعالى) سببا لنمائه؛ وهو وحده الخلاق العليم.

                                                          وذلك لاستيلاء الشيطان على قلوبهم؛ ولذا قال - عز من قائل -: وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون ؛ إنه من الحقائق النفسية الثابتة أن أول الشر استحسانه؛ فالشيطان يزين أعمال السوء للفاعل؛ ويحسنها له؛ ويظن أنها الخير وحدها؛ وأن ما عداها باطل؛ وفرق بين المهتدي؛ وغير المهتدي؛ أن من هداه الله يميز الخبيث من الطيب؛ فلا يتردى في باطل؛ وإن تردى فيه سرعان ما يعود إلى الحق؛ ولا يقبل وسوسة الشيطان بالشر؛ وليس قلبه موضعا لتزيينه؛ ثم قال: فصدهم عن السبيل ؛ أي أنهم بسبب تزيين الشيطان لهم قد مكنوه من أنفسهم؛ فصدهم عن السبيل؛ أي: لعلهم يعرضون عن الطريق المستقيم في ابتدائه؛ ومن ضل في أول الطريق سار في ضلال إلى آخره؛ ولذا قال - مرتبا على ذلك -: فهم لا يهتدون ؛ أي: فهم يسيرون في ضلال غير مهتدين إلى الحق إلى النهاية؛ حتى يكون الحساب والعقاب: ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم ؛ " ؛ يصح أن نقول: إن قوله (تعالى): ألا يسجدوا لله ؛ [فيه] حرف جر محذوف؛ وحذفه كثير قبل " أن " ؛ وما بعدها؛ والمعنى: كان ذلك التزيين والصد وعدم الاهتداء في ذاته لئلا يهتدوا إلى عبادة الخالق الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض.

                                                          ويصح أن نقول: إنه متعلق بـ زين لهم الشيطان أعمالهم ؛ أي أنه حسن ذلك في قلوبهم؛ ليصرفهم عن السبيل؛ ويكون التركيب هكذا: " زين لهم ألا يهتدوا إلى عبادة الله (تعالى) الذي يخرج الخبء... " ؛ إلى آخره. [ ص: 5449 ] و " الخبء " : ما ستره الله (تعالى) حتى يخرجه للناس؛ فخبء السماوات مطرها؛ حتى يحين حينه؛ ويدرك إبانه؛ وكل شيء عند ربك بمقدار؛ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال

                                                          وصف الله (تعالى) المعبود بحق بثلاث صفات؛ هي أعلى الصفات لواجب الوجود؛ وكل صفاته عليا؛ الصفة الأولى: أنه هو الذي يخرج خبء السماوات بالمطر الذي ينبت الزرع والنخيل والأعناب؛ ويخرج به خبء الأرض؛ بفلق الحب والنوى؛ وإخراج المتراكب الذي يكون به غذاء الأحياء؛ الصفة الثانية: أنه يعلم ما يسر وما يعلن الإنسان؛ فهو عليم بحاله في حركاته وسكناته؛ وما يفعل من خير وشر؛ ومجازيه على كل ما يفعل؛ إن خيرا فخير؛ وإن شرا فشر؛ وفيها تبشير بالجزاء؛ وإنذار بالعقاب؛ الصفة الثالثة: أنه لا إله إلا هو؛ فهو وحده المتصف بصفات الكمال التي توجب عبادته؛ وهو صاحب السلطان؛ رب العرش العظيم؛ صاحب السلطان الكامل في هذا الوجود.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية