الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 5478 ] أقوال الكفار المنكرين

                                                          قال (تعالى): وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ولا تحزن عليهم ولا تكن في ضيق مما يمكرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل عسى أن يكون ردف لكم بعض الذي تستعجلون وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون

                                                          بعد أن بين حقيقة البعث؛ وأن الأدلة قائمة عليه؛ وأن العقل يثبت إمكانه والنقل يثبت وجوده؛ ذكر - سبحانه وتعالى - قول الذين كفروا فيه؛ فقال: وقال الذين كفروا أإذا كنا ترابا وآباؤنا أإنا لمخرجون ؛ يذكرون - في التفكير الحسي الذي يؤمنون فيه بالمادة وحدها - مانعين حسيين في زعمهم الباطل؛ والمانع الأول هو الموت؛ وهو في زعمهم مانع حسي؛ كيف يعود الميت حيا؟! وهم لم يألفوه؛ ولم يروه؛ فهو وحده كاف للمنع؛ وقد أضيف المانع الثاني؛ وهو أنهم يصيرون ترابا؛ و " كان " ؛ هنا بمعنى: " صار " ؛ و " كنا ترابا " ؛ أي: صرنا ترابا؛ وتحللت الأجزاء الحية من أجسامنا؛ وأبعدت عنا الحياة بحقيقتها ومظاهرها؛ كيف تبصر بعد ذلك أن نحيا [ ص: 5479 ] بعد أن ندفن؟! ولذا قال (تعالى) - عنهم -: أإنا لمخرجون ؛ أي أننا نخرج من القبور؛ بعد أن دفنا فيها؛ وصرنا في ضمن أجزائها؛ ولا منفصل عنها؛ فكيف يتميز خلقنا عن خلقها؛ وقد أكدوا عدم الخروج بتكرار الاستفهام؛ كأنه في ذاته أمر غريب؛ وزكوا الاستفهام المانع باللام والوصف؛ أي: أنكون مخرجين حقا وصدقا؛ وخروجا مؤكدا؟!

                                                          وقوله (تعالى): وقال الذين كفروا ؛ كان الإظهار في موضع الإضمار؛ فلم يقل: " وقالوا " ; وذلك لأن الصلة - وهي الجحود والكفر - هما الإنكار؛ واستغراق المادة لهم؛ حتى إنهم لا يفكرون قط في أمر معنوي؛ ولا أمر غيبي؛ فقد استغرقتهم المادة حتى صاروا لا يؤمنون إلا بها.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية