الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  آداب الفقير في قبول العطاء إذا جاءه بغير سؤال

                                                                  ينبغي أن يلاحظ الفقير فيما جاءه ثلاثة أمور : نفس المال ، وغرض المعطي ، وغرضه في الأخذ .

                                                                  أما نفس المال : فينبغي أن يكون حلالا خاليا عن الشبهات فإن كان فيه شبهة فليحترز من أخذه .

                                                                  وأما غرض المعطي : فلا يخلو إما أن يكون غرضه تطييب قلبه وطلب محبته وهو الهدية ، أو الثواب وهو الصدقة والزكاة ، أو الذكر والرياء والسمعة .

                                                                  أما الأول وهو الهدية : فلا بأس بقبولها فإن قبولها سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولكن ينبغي أن لا يكون فيها منة ، فإن كان فيها منة فالأولى تركها ، فإن علم أن بعضها مما تعظم به المنة فليرد البعض دون البعض .

                                                                  الثاني : أن يكون للثواب المجرد وذلك صدقة أو زكاة ، فعليه أن ينظر في صفات نفسه : هل هو مستحق للزكاة ؟ فإن اشتبه عليه فهو محل شبهة . وإن كانت صدقة وكان يعطيه لدينه فلينظر إلى باطنه : فإن كان مقارفا لمعصية في السر لو علمها المعطي لنفر طبعه ولما تقرب إلى الله بالتصدق عليه ، فهذا حرام أخذه ، كما لو أعطاه لظنه أنه عالم أو علوي ولم يكن ، فإن أخذه حرام محض لا شبهة فيه .

                                                                  الثالث : أن يكون غرضه السمعة والرياء والشهرة فينبغي أن يرد عليه قصده الفاسد ولا يقبله إذ يكون معينا على غرضه الفاسد .

                                                                  وأما غرضه في الأخذ : فينبغي أن ينظر أهو محتاج إليه فيما لا بد له منه أو مستغن عنه ، فإن كان محتاجا إليه وقد سلم من الشبهة والآفات التي ذكرناها في المعطي فالأفضل له الأخذ ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " من أتاه شيء من هذا المال من غير مسألة ولا استشراف فإنما هو رزق ساقه الله إليه [ ص: 296 ] فلا يرده " فأما إذا كان ما أتاه زائدا على حاجته فلا يخلو إما أن يكون حاله الاشتغال بنفسه أو التكفل بأمور الفقراء والإنفاق عليهم لما في طبعه من الرفق والسخاء ، فإن كان مشغولا بنفسه فلا وجه لأخذه وإمساكه ، وإن كان متكفلا بحقوق الفقراء فليأخذ ما زاد على حاجته ؛ فإنه غير زائد على حاجة الفقراء وليبادر به إلى الصرف إليهم . وبالجملة فالزيادة على قدر الحاجة إنما تأتيك ابتلاء وفتنة لينظر الله إليك ماذا تعمل فيه ، وقدر الحاجة يأتيك رفقا بك فلا تغفل عن الفرق بين الرفق والابتلاء ، قال الله - تعالى - : ( إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ) [ الكهف : 7 ] .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية