الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب الأنجاس ) لما فرغ من الحكمية وتطهيرها شرع في الحقيقية وإزالتها وقدم الحكمية ; لأنها أقوى لكون قليلها يمنع جواز الصلاة اتفاقا ولا يسقط وجوب إزالتها بعذر ما إما أصلا أو خلفا بخلاف الحقيقة ، كذا في النهاية ، وأما من به نجاسة وهو محدث إذا وجد ماء يكفي أحدهما فقط إنما وجب صرفه إلى النجاسة لا الحدث ليتيمم بعده فيكون محصلا للطهارتين لا لأنها أغلظ من الحدث ، كذا في فتح القدير والأنجاس جمع نجس بفتحتين وهو كل مستقذر وهو في الأصل مصدر ، ثم استعمل اسما قال الله تعالى { إنما المشركون نجس } وكما أنه يطلق على الحقيقي يطلق على الحكمي إلا أنه لما قدم بيان الحكمي أمن اللبس فأطلقه كذا في العناية وفي الكافي الخبث يطلق على الحقيقي والحدث على الحكمي والنجس عليهما ا هـ .

                                                                                        [ ص: 232 ] والنجاسة شرعا عين مستقذرة شرعا وإزالتها عن البدن والثوب والمكان فرض إن كان القدر المانع كما سيأتي وأمكن إزالتها من غير ارتكاب ما هو أشد حتى لو لم يتمكن من إزالتها إلا بإبداء عورته للناس يصلي معها ; لأن كشف العورة أشد فلو أبداها للإزالة فسق إذ من ابتلي بين أمرين محظورين عليه أن يرتكب أهونهما ، كذا في فتح القدير وفي البزازية ومن لم يجد سترة تركه ولو على شط نهر ; لأن النهي راجح على الأمر حتى استوعب النهي الأزمان ولم يقتض الأمر التكرار وفي الخلاصة إذا تنجس طرف من أطراف الثوب ونسيه فغسل طرفا من أطراف الثوب من غير تحر حكم بطهارة الثوب وهو المختار فلو صلى مع هذا الثوب صلوات ، ثم ظهر أن النجاسة في الطرف الآخر يجب عليه إعادة الصلوات التي صلى مع هذا الثوب . ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية المصلي إذا رأى على ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته ففيه تقاسيم واختلافات والمختار عند أبي حنيفة أنه لا يعيد إلا الصلاة التي هو فيها واختار في البدائع في المسألة الأولى غسل الجميع احتياطا ; لأن موضع النجاسة غير معلوم وليس البعض بأولى من البعض وفي شرح النقاية ولو وجب غسل على رجل ولم يجد ما يستره من رجال يرونه يغتسل ولا يؤخر ولو وجب عليه الاستنجاء يتركه والفرق أن النجاسة الحكمية أقوى من النجاسة الحقيقية بدليل عدم جواز الصلاة معها ، وإن كانت دون الدرهم ولو وجب غسل على امرأة لا تجد سترة من الرجال تؤخر ، وإن كانت لا تجد سترة من النساء فكالرجل بين الرجال . ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن تتيمم المرأة وتصلي لعجزها شرعا [ ص: 233 ] عن استعمال الماء فينتقل الحكم إلى التيمم وسيأتي تفاريعها في شروط الصلاة .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( باب الأنجاس ) .

                                                                                        ( قوله ولا يسقط وجوب إزالتها بعذر ما ) قدمنا أول كتاب الطهارة ما تعقب به في النهر ذلك الوجه من قولهم فيمن قطعت يداه إلى المرفقين ورجلاه إلى الكعبين وكان بوجهه جراحة أنه يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه في الأصح كما في الظهيرية فإذا اتصف بهذا الوصف بعدما دخل الوقت سقطت عنه الطهارة بهذا العذر . ( قوله : إلا أنه لما قدم إلخ ) قال في النهر لا حاجة إليه لما مر من أنه بالفتح عند الفقهاء اسم لعين النجاسة وبكسرها لما لا يكون طاهرا فإطلاقه على الحكمي أيضا ليس إلا لغة [ ص: 232 ] ( قوله وإزالتها عن البدن والثوب إلخ ) راجع القرماني عند قوله ، وإنما قلنا بأن الطهارة من النجاسة شرط إلخ يظهر لك الدليل على الفرضية .

                                                                                        ( قوله : وفي الظهيرية إلخ ) مسألة مستأنفة ليست مما قبلها ; لأن ما في الظهيرية مفروض فيما إذا رأى في ثوبه نجاسة ولا يدري متى أصابته والكلام قبله فيما إذا علم وقت الإصابة ونسي الموضع وهذا ظاهر ولكن نبهنا عليه ; لأنه أخطأ فيه في النهر وتبعه الشيخ علاء الدين الحصكفي فجعلاهما مسألة واحدة فتنبه ( قوله ولو وجب عليه الاستنجاء يتركه ) لينظر فيما لو أمكنه ذلك بأن ينزل بثوبه في نهر هل يلزمه أم لا ، ثم رأيت في شرح ابن الشحنة على الوهبانية قال ما نصه المرأة إذا وجب عليها الغسل ولا تجد سترة وهناك رجال تؤخر الغسل قلت : ولعل محمل هذا إذا لم يمكنها الاغتسال في القميص الذي عليها اللهم إلا أن يقال في إلزامها الاغتسال في القميص ونحوه حرج وإنه مرفوع شرعا فيلحق بالعجز فقد خرج محمد فيما أطلقه من الجواب في الجامع في مسألة البناء للمرأة بأنها لا يمكنها غسل الذراعين من غير الكشف إلا بالغسل مع الكمين وفي ذلك حرج عليها والحرج في الأحكام يلحق بالعجز ولو عجزت عن البناء إلا بعد كشف العورة جاز لها البناء فكذا إذا خرجت فعلى هذا لو ضاق وقت الصلاة بحيث تفوتها الصلاة فينبغي أن يجوز لها الاغتسال وما روي عن أبي يوسف في غير الأصول من أنها إذا أمكنها غسل الذراعين ومسح الرأس مع الكمين والخمار فكشفتهما لا تبني ; لأنها كشفت عورتها من غير حاجة كالرجل إذا كشف عورته من غير حاجة حال البناء وإن لم يمكنها إلا بالكشف كالرجل إذا كشف عورته لحاجة بأن جاوزت النجاسة موضع المخرج أكثر من قدر الدرهم بأن كان له جبة وخمار ثخينين يصل الماء إلى ما تحتهما جاز البناء لها ; لأنها كشفت للحاجة كالرجل إذا كشف عورته للحاجة بأن جاوزت النجاسة موضع المخرج أكثر من قدر الدرهم حتى وجب عليه غسل ذلك الموضع ويجوز له البناء ذكره في الذخيرة وقضية ذلك كله أن لا تؤخر كما قدمناه . ا هـ .

                                                                                        ( قوله : والفرق أن النجاسة الحكمية إلخ ) لا يخفى عليك أن النجاسة الحكمية لا تتجزأ على ما هو الصحيح كما مر وإذا كان كذلك فلا توصف بالحكمية بخلاف الحقيقية والحكم على الشيء فرع عن تصوره بل الظاهر في الفرق بينهما يعلم مما ذكره الأصوليون من الترجيح بين المتعارضين وبيانه هنا أنه تعارض دليلا الأمر والنهي ظاهرا ولا يقدم النهي هنا كما فعل في إزالة النجاسة وستر العورة ; لأن تقديم النهي على الأمر إنما هو بعد تساوي الأمر والنهي في قوة الثبوت وهما هنا ليسا كذلك فإن الأمر بالتطهير من الجنابة أقوى ثبوتا من النهي عن كشف العورة ولما تساويا في المرأة لثبوتهما بقطعي الثبوت والدلالة رجح النهي .

                                                                                        ( قوله : وإن كانت لا تجد سترة من النساء إلخ ) قال في شرح الوهبانية لمصنفها بقي ما لو كان الرجل بين النساء لم أقف فيه على نقل وقياسه أن يؤخر كالمرأة بين الرجال ; لأنه يغتفر في الجنس مع جنسه ما لا يغتفر فيه مع غيره ولا يقبح قبحه وأقره ابن الشحنة والشرنبلالي وأيده ابن الشحنة بما في المبسوط إن نظر الجنس إلى الجنس مباح في الضرورة لا في حال الاختيار وفي موضع آخر قال إن نظر الجنس إلى الجنس أخف من نظر غير الجنس قال وبذلك يعلم الحكم فيما ذكر أنه لم يقف فيه على نقل وفي فتاوى قاضي خان ويحل للرجل أن ينظر من الرجل سوى ما تحت السرة إلى أن يجاوز الركبة وتنظر المرأة إلى الرجل كنظر الرجل إلى الرجل فعلى قول المبسوط يتأتى ما ذكره المصنف من الاغتفار ويباح [ ص: 233 ] لمكان الضرورة الاغتسال بين الجنس وعلى ما ذكره قاضي خان وهو التسوية بين نظر الرجل إلى الرجل والمرأة إلى الرجل لا يختلف الحكم بين كون الرجل بين الرجال خاصة أو بين الرجال والنساء أو النساء فقط وعلى ما ذكره من الاغتفار قياسا التأخير فيما لو كان الرجل بين رجال ونساء

                                                                                        وأما المرأة فلا يباح للرجل أن ينظر إلى غير الوجه والكفين والقدم إذا كانت أجنبية ، وقد جوزوا لها كشف الذراعين للبناء مطلقا غير مقيد بعدم الرجال . ا هـ .

                                                                                        قال بعض الفضلاء واعلم أنه ينبغي أن لا تكشف الخنثى للاستنجاء ولا للغسل عند أحد أصلا ; لأنها إن كشفت عند ذكر احتمل أنها أنثى وإن عند أنثى احتمل أنها ذكر فصار الحاصل أن مريد الاغتسال إما ذكر أو أنثى أو خنثى وعلى كل فأما بين رجال أو نساء أو خناثى أو رجال ونساء أو رجال وخناثى أو نساء وخناثى أو رجال ونساء وخناثى فهو أحد وعشرون يغتسل في صورتين منها وهما رجل بين رجال وامرأة بين نساء ويؤخر في تسع عشرة صورة .




                                                                                        الخدمات العلمية