الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل أي تدخل طائفة من الليل في النهار فيقصر الليل من حيث يطول النهار ، وتدخل طائفة من النهار في الليل فيطول هذا من حيث يقصر ذاك ، أي إنك بحكمتك في تدبير الأرض وتكويرها وجعل الشمس بحسبان تزيد في أحد الجديدين ما يكون سببا لنقص الآخر ، فلا ينكر على قدرتك وحكمتك أن تؤتي النبوة والملك من تشاء كمحمد وأمته ، وتنزعهما ممن تشاء كبني إسرائيل ، فإنك تتصرف في شئون الناس كما تتصرف في الليل والنهار وتخرج الحي من الميت كالعالم من الجاهل ، والصالح من الطالح ، والمؤمن من الكافر وتخرج الميت من الحي كالكافر من المؤمن ، والجاهل من العالم ، والشرير من الخير ، وقد مثل المفسرون للحياة الحسية بخروج النخلة من النواة والعكس ، وخروج الإنسان من النطفة ، والطائر ونحوه من البيضة وبالعكس . والتمثيل صحيح وإن أثبت علماء هذا الشأن أن في النطفة حياة ، وكذا في البيضة والنواة ; لأن هذه الحياة اصطلاحية لأهل الفن في عرفهم دون العرف العام الذي جاء التنزيل به ، ومن الأمثلة الصحيحة في العرفين خروج النبات من التراب ، وقد جاء القرآن بتسمية ما يقابل الحي ميتا سواء كانت الحياة حسية أو معنوية ، وسواء كان ما أطلق عليه لفظ الميت مما يعيش ويحيا مثله أم لا وهو استعمال عربي صحيح فصيح ، والجملة كسابقتها مثال ظاهر لكونه - تعالى - مالك الملك يؤتي الملك من يشاء إلى آخر ما في الآية السابقة ، وكل شيء عنده بمقدار فقد أخرج من العرب الأميين خاتم النبيين والمرسلين كما أخرج من سلائل الأنبياء والصديقين أولئك الأشرار المفسدين ; ذلك أن سننه - تعالى - في الاجتماع قد أعدت الأمة العربية لأن يظهر خاتم النبيين منها - أعدتها لذلك بارتقاء الفكر واستقلاله وبقوة الإرادة واستقلالها ، حتى صارت هذه الأمة أقوى أمم الأرض استعدادا لقبول الدين الذي هدم بناء التقليد والاستعباد ، واستبدل به بناء الاستدلال والاستقلال ، من حيث كان بنو إسرائيل كغيرهم من الأمم يرسفون في قيود التقليد للأحبار والرهبان ، مرتكسين في أغلال الاستبداد من الملوك والحكام ، فما أعطى - سبحانه - ما أعطى ونزع ما نزع إلا بإقامة السنن التي هي قوام النظام ومناط الإبداع والإحكام وترزق من تشاء بغير حساب يطلب منه ; لأن الأمر كله بيده ، وليس فوقه أحد يحاسبه ، أو بغير تضييق ولا تقتير ، أو بغير حساب من هذا المرزوق ولا تقدير ، ولكنه بقدر وحساب ممن وضع السنن والأسباب .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية