الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولا يفرق بينهما بعجزه عنها ) بأنواعها الثلاثة ( ولا بعدم إيفائه ) لو غائبا ( حقها ولو موسرا ) وجوزه الشافعي بإعسار الزوج وبتضررها بغيبته ، ولو قضى به حنفي لم ينفذ ، نعم لو أمر شافعيا فقضى به نفذ - [ ص: 591 ] إذا لم يرتش الآمر والمأمور بحر .

التالي السابق


مطلب في فسخ النكاح بالعجز عن النفقة وبالغيبة ( قوله ولا يفرق بينهما بعجزه عنها ) أي غائبا كان أو حاضرا ( قوله بأنواعها ) وهي مأكول وملبوس ومسكن ح ( قوله حقها ) أي من النفقة وهو منصوب مفعول المصدر وهو إيفاء ( قوله ولو موسرا ) المناسب ولو معسرا ; لأنه إشارة إلى خلاف الشافعي رحمه الله والأصح عنده عدم الفسخ بمنع الموسر حقها كمذهبنا ( قوله بإعسار الزوج ) مقابل قوله ولا يفرق بينهما بعجزه ط ( قوله وبتضررها بغيبته ) أي تضرر المرأة بعدم وصول النفقة بسبب غيبته . وفي بعض النسخ : وبتعذرها بغيبته : أي تعذر النفقة وهي أظهر ، وهذا مقابل قوله ولا بعدم إيفائه حقها . والحاصل أن عند الشافعي إذا أعسر الزوج بالنفقة فلها الفسخ ، وكذا إذا غاب وتعذر تحصيلها منه على ما اختاره كثيرون منهم ، لكن الأصح المعتمد عندهم أن لا فسخ ما دام موسرا وإن انقطع خبره وتعذر استيفاء النفقة من ماله كما صرح به في الأم . قال في التحفة بعد نقله ذلك : فجزم شيخنا في شرح منهجه بالفسخ في منقطع خبر لا مال له حاضر مخالف للمنقول كما علمت . ولا فسخ بغيبة من جهل حاله يسارا وإعسارا بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرته تقوية لا شكا كما يأتي . ا هـ ( قوله نعم لو أمر شافعيا ) أي بشرط أن يكون مأذونا له بالاستنابة خانية . قال في غرر الأذكار : ثم اعلم أن مشايخنا استحسنوا أن ينصب القاضي الحنفي نائبا ممن مذهبه التفريق بينهما إذا كان الزوج حاضرا وأبى عن الطلاق ; لأن دفع الحاجة الدائمة لا يتيسر بالاستدانة ، إذ الظاهر أنها لا تجد من يقرضها وغنى الزوج مآلا أمر متوهم ، فالتفريق ضروري إذا طلبته ، وإن كان غائبا لا يفرق ; لأن عجزه غير معلوم حال غيبته ، وإن قضي بالتفريق لا ينفذ قضاؤه ; لأنه ليس في مجتهد فيه ; لأن العجز لم يثبت . ا هـ .

ونقل في البحر اختلاف المشايخ وأن الصحيح كما في الذخيرة عدم النفاذ لظهور مجازفة الشهود كما في العمادية والفتح . وذكر في قضاء الأشباه في المسائل التي لا ينفذ فيها قضاء القاضي أن منها التفريق للعجز عن الإنفاق غائبا على الصحيح لا حاضرا . ا هـ

والحاصل أن التفريق بالعجز عن النفقة جائز عند الشافعي حال حضرة الزوج وكذا حال غيبته مطلقا أو ما لم تشهد بينة بإعساره الآن كما علمت مما نقلناه عن التحفة ، والحالة الأولى جعلها مشايخنا حكما مجتهدا فيه فينفذ فيه القضاء دون الثانية ، وبه تعلم ما في كلام الشارح حيث جزم بالنفاذ فيهما فإنه مبني على خلاف الصحيح المار عن الذخيرة . [ ص: 591 ] وذكر في الفتح أنه يمكن الفسخ بغير طريق إثبات عجزه بل بمعنى فقده ، وهو أن تتعذر النفقة عليها . ورده في البحر بأنه ليس مذهب الشافعي . قلت : ويؤيده ما قدمناه عن التحفة حيث رد على شرح المنهج بأنه خلاف المنقول ، فعلى هذا ما يقع في زماننا من فسخ القاضي الشافعي بالغيبة لا يصح ، وليس للحنفي تنفيذه سواء بنى على إثبات الفقر أو على عجز المرأة عن تحصيل النفقة منه بسبب غيبته ، فليتنبه لذلك ، نعم يصح الثاني عند أحمد كما ذكر في كتب مذهبه ، وعليه يحمل ما في فتاوى قارئ الهداية حيث سأل عمن غاب زوجها ولم يترك لها نفقة . فأجاب : إذا أقامت بينة على ذلك وطلبت فسخ النكاح من قاض يراه ففسخ نفذ وهو قضاء على الغائب ، وفي نفاذ القضاء على الغائب روايتان عندنا ، فعلى القول بنفاذه يسوغ للحنفي أن يزوجها من الغير بعد العدة ، وإذا حضر الزوج الأول وبرهن على خلاف ما ادعت من تركها بلا نفقة لا تقبل بينته ; لأن البينة الأولى ترجحت بالقضاء فلا تبطل بالثانية . ا هـ . وأجاب عن نظيره في موضع آخر بأنه إذا فسخ النكاح حاكم يرى ذلك ونفذ فسخه قاض آخر وتزوجت غيره صح الفسخ والتنفيذ والتزوج بالغير ، ولا يرتفع بحضور الزوج وادعائه أنه ترك عندها نفقة في مدة غيبته . إلخ ، فقوله من قاض يراه لا يصح أن يراد به الشافعي فضلا عن الحنفي ، بل يراد به الحنبلي فافهم ( قوله إذا لم يرتش الآمر والمأمور ) أما الأول فلأن نصب القاضي بالرشوة لا يصح ، وأما الثاني فلأن حكمه بها لا يصح ، ولو صح نصبه ، وعليه فالمناسب العطف بأو .




الخدمات العلمية