الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد

                                                                                                                                                                                                                                      هذا ما يسمى أسلوب المدح بما يشبه الذم ، ونظيره في العربية قول الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 486 ] وذكر أبو حيان قول الشاعر - وهو قيس الرقيات - :


                                                                                                                                                                                                                                      ما نقموا من بني أمية إلا     أنهم يحلمون إن غضبوا

                                                                                                                                                                                                                                      وقول الآخر :


                                                                                                                                                                                                                                      ولا عيب فيها غير شكلة عينها     كذاك عناق الطير شكلا عيونها

                                                                                                                                                                                                                                      يقال عين شكلاء : إذا كان في بياضها حمرة قليلة يسيرة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقدمنا أن نقمتهم عليهم للمستقبل ، كما في قوله تعالى : إلا أن يؤمنوا بالله ، لا على الماضي إلا أن آمنوا ; لأنهم كانوا يقولون لهم : إما أن ترجعوا عن دينكم ، وإما أن تلقوا في النار ، ولم يحرقوهم على إيمانهم السابق ، بل على إصرارهم على الإيمان للمستقبل .

                                                                                                                                                                                                                                      والإتيان هنا بصفتي الله تعالى : " العزيز الحميد " إشعار بأنه سبحانه قادر على نصرة المؤمنين والانتقام من الكافرين ، إذ العزيز هو الغالب ، كما يقولون : من عز بز ، ولكن جاء وصفه بالحميد ; ليشعر بأمرين :

                                                                                                                                                                                                                                      الأول : أن المؤمنين آمنوا رغبة ورهبة ، رغبة في الحميد على ما يأتي : " الغفور الودود " [ 85 \ 14 ] ، ورهبة من العزيز كما سيأتي في قوله : إن بطش ربك لشديد ، [ 85 \ 12 ] وهذا كمال الإيمان رغبة ورهبة وأحسن حالات المؤمن .

                                                                                                                                                                                                                                      والأمر الثاني : حتى لا ييأس أولئك الكفار من فضله ورحمته ، كما قال : ثم لم يتوبوا [ 85 \ 10 ] ; إذ أعطاهم المهلة من آثار صفته الحميد سبحانه .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية