الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                القسم الثالث من النقدين ما يكون ديونا في الذمة ، قال صاحب ( المقدمات ) وهو أربعة أقسام : من فائدة ، ومن غصب ، ومن قرض ، ومن تجارة ، والأول أربعة أقسام : الأول الميراث والهبة وأرش الجناية ومهر المرأة فلا زكاة فيه حالا أو مؤجلا ، وإن ترك قبضه فرارا إلا بعد حول بعد قبضه . والثاني : من عرض أفاده ، فهو مثل الأول ، وقال عبد الملك : إن باعه مؤجلا فقبضه بعد حول زكاه حينئذ ، وإن أخره فرارا يتخرج على قولين : تزكيته لماضي السنين ويستقبل به [ ص: 29 ] حولا بعد القبض ، والثالث ، عن العرض المشترى للقنية بناض كان عنده إن كان مؤجلا فقبضه بعد حول زكاه حينئذ . وإن ترك قبضه فرارا زكى لماضي الأعوام . والرابع : دين الإجارة ، إن قبضه بعد استيفاء المنفعة كان كالقسم الثاني أو قبل الاستيفاء وهو مثلا ستون دينارا عن ثلاث سنين : ثلاثة أقوال ، أحدها : الذي يأتي على قول ابن القاسم في ( المدونة ) في مسألة هبة الدين : أن يزكي بعد حول عشرين .

                                                                                                                والثاني : يزكي تسعة وثلاثين ونصفا ، قاله : ابن المواز . والثالث : لا يزكي إلا عشرين بعد عامين ; لأنه في السنة الثانية ملك أربعين عليه عشرون دينارا ، قال صاحب ( تهذيب الطالب ) : يحتمل أن يكون موضع الخلاف دارا ، ويحتمل سقوطها في تلك المدة ، ولم تبلغ إلى حد الغرر المانع من الإجارة ، ولو شهدت العادة ببقائها أكثر من العقد لم يختلف فيها ، ويحتمل أن يكون الخلاف في حال لا في حكم ، بأن يكون قول ابن القاسم في دار تخشى ، وقول سحنون حيث لا تخشى ، وأما الغصب : فثلاثة أقوال ، المشهور : يزكيه زكاة واحدة كالقرض ، والثاني : يستقبل حولا كالفائدة ، وقيل : لسائر الأعوام الماضية ، وأما القرض فلعام واحد بعد القبض لحصوله عنده في طرفي الحول ، وقياسا على عروض التجارة ، ولأن الزكاة لا تجب إلا في معين ، والدين في الذمة غير معين فلا يجب ، وقال ( ح ) : إن كان على مليء زكاة بعد القبض لكل عام ، وإن كان على معسر فلا شيء عليه ، وقال ( ش ) : إن كان معترفا ظاهرا وباطنا باذلا له زكاة لكل عام قبل القبض كالمودع ، وإن اعترف باطنا فقط : أخرجها بعد القبض ، والجاحد مطلقا لهم فيه قولان : كالمغصوب والمؤجل والضائع ، ودين التجارة كعروض التجارة في حكم الإدارة والحكرة .

                                                                                                                فروع ثلاثة : الأول في ( الكتاب ) : من حال الحول على ماله فأقرضه قبل زكاته ثم قبضه بعد سنين زكاه لعامين ، ومن له دين من قرض أو بيع فلا يزكيه [ ص: 30 ] حتى يقبض منه نصابا ثم يزكي بعد ذلك قليل ما يقتضيه وكثيره ، أنفق الذي زكى أو أبقى ; لأنه إذا قبض دون النصاب لعله لا يقبض غيره ، فلا تجب الزكاة عليه ; لأن المدين بصدد الإفلاس والإعسار ، ويكون المقبوض بعد ذلك تبعا كعروض التجارة إذا باع منها بنصاب زكاه ، ويزكي بعد ذلك ما ينتفع به تبعا ، ولو كان معه نصاب لم يتم حوله فاقتضى من دينه أقل من نصاب لم يزكهما حتى يتم حول الأول فيزكيهما ; لأن الحول في الأول شرط ، والنصاب في الثاني شرط ولم يوجدا قبل ، قال سند : فلو تلف ما اقتضاه قبل حول الأول زكى الأول إذا تم حوله دون التالف أو المنفق ; لأنهما لم يجتمعا في الوجوب ، بخلاف إذا لم يكن معه الأول ، واقتضى من دينه عشرة بعد حوله فأنفقها ، ثم اقتضى عشرة أخرى فإنه يزكي الأولى والآخرة عند ابن القاسم ، والفرق : أن الدين مال واحد تتعلق به الزكاة بالحول ، فهو كالتمر إذا أزهى بحسب ما أكل منه بعد ذلك ، وقيل : لا يزكي المنفقة ; لأنه أنفقها قبل الوجوب ، كما لو أنفقها قبل الحول ، قال أبو الطاهر : إذا قبض عشرة ثم عشرة : فالمشهور حول الجميع من قبل الثانية ، والشاذ من الأول ، ويتخرج عليه الخلاف في ضياع الأولى أو إنفاقها ، والإنفاق أولى بالوجوب لكونه مختارا كالقرض بعد الحول ، ومنشأ الخلاف : هل وجبت الزكاة قبل القبض ؟ وإنما التوقف الإخراج ، ولا يجب إلا بالقبض . وفي ( الكتاب ) : لو زكى الأولى بعد الحول قبل قبض الدين زكى ما يقبضه من قليل أو كثير ، تلف الأول أو بقي لتمام الحول لهما ، وهما كالمال الواحد في النصاب والحول ، فهو كمن اقتضى نصابا من دينه فزكاه ، فإنه يزكي بعد ذلك ما يقتضيه من قليل وكثير ، بخلاف ما اقتضاه قبل حول الأول لاختلافهما في كمال الحول ، وكذلك قال في ( الكتاب ) : لو تلف الأول قبل الحول لم يزك ما يقبض حتى يبلغ نصابا لحصول التباين ، وكذلك قال : لو أفاد مائة فأقرض منها خمسين أو ابتاع بها سلعة فباعها مؤجلة وبقيت بقيتها حولا فزكاها ثم أنفقها أو أبقاها فليزك قليل ما يقتضي وكثيره ولو تلفت النفقة بعد الحول أو أنفقها فلا [ ص: 31 ] شيء فيما يقتضى حتى يكون نصابا أو عنده ما يكمله به وقد حال عليه الحول ، ولم يزكه ولو زكاه لم يضم وزكى ما اقتضى ، وإن كان دون دون النصاب ، ولو بقي من الأول دون النصاب فأنفقه بعد الحول أو أبقاه ، فإذا اقتضى تمام النصاب زكاه ، ثم يزكي قليل ما يقتضي وكثيره ، ولو أنفقه واقتضى شيئا من دينه قبل الحول لم يضفه بعد الحول ولا يزكي حتى يقتضي نصابا لافتراقهما بسبب الحول ، فلا يعتبر أحدهما في الآخر . ( تفريع ) قال سند : فلو اقتضى من دينه دينارا بعد الحول ليس له غير . فاتجر فيه فبلغ نصابا زكاه على المذهب في ضم الربح إلى الأصل ، ثم يزكي ما يقتضي وإن قل ، ولو اقتضى من دينه قبل بلوغ الأول نصابا ، والجميع نصابا زكاه ، إلا أن يكون ابتاع به سلعة فلا يضمه للثاني حتى ينض ثمنها . وفي ( الجواهر ) لو لم يكن لرب المال غير الدين فاقتضى منه دينارا ثم آخر فاشترى بالأول ثم بالثاني فباع سلعة الأول بعشرين والثانية كذلك ، زكى عن أحد وعشرين إن كان شراه بالثاني بعد بيع سلعة الأول حتى يجتمعان ، وإن كان قبل زكى الأربعين لحصول سبب الربح قبل وجوب الزكاة ، ولو اشترى بالثانية ثم بالأول قبل البيع زكى الأربعين على المشهور ، وقال أبو الطاهر : وعند أشهب إذا أكمل النصاب بالثاني بقي الأول على حوله ، وإن كان دون النصاب ينبغي ألا يزكي إلا أحدا وعشرين ; لأن الغيب كشف أنه شراه بالأول بعد وجوب الزكاة فيه ، وإن كان شراؤه بالأول بعد بيعه لما اشتراه بالثاني ، زكى عن أحد وعشرين ، قال مالك : وحول ما يقتضيه بعد النصاب من يوم يقبضه ; لأنه يوم وجوب الزكاة ، فلو كثر ما يقتضيه وصعب ضبطه قال مالك : يضيف ما شاء منه لما قبله ، وكذلك إذا باع عرضه شيئا بعد شيء ويضم الفوائد إذا اختلطت إلى أواخرها لتباين أحوالها ، ولا زكاة قبل الحول ، وروي عنه التسوية ; لأنه الأصلح للفقراء . الثاني : قال ابن القاسم في ( الكتاب ) : لا يجزئه التطوع بزكاة الدين قبل قبضه ، ولا [ ص: 32 ] العرض قبل بيعه ، لعدم شرط الوجوب . قال سند : قال أشهب بالإجزاء ; لأن الوجوب عنده ثبت ، وإنما بقي التمكن وقد تمكن ، وقال مرة : يجزئه في الدين دون العرض ، فإن الزكاة في ثمن العرض ، وهو مختلف بالأسواق ، فلا يستقر فيه وجوب حتى يباع ، والدين متعين . الثالث : قال سند : من أودع مالا فأسلفه المودع ثم طلبه ربه بعد سنين فأحاله على المستقرض : زكاه لعام واحد ، وفي ( الجواهر ) : يمكن أن يزكي نصابا ثلاثة في حول بأن يكون لرجل دين ، وعليه مثله لثالث والمديانان مليان ، ولكل واحد منهما عرض يفي بما عليه فأحال الوسط مطالبة على مديانه فقبضه بعد حول ، فالزكاة على الطرفين ، ويختلف في الوسط .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية