الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( فصل ) :

                                                                                                                                وأما حكم الوقف الجائز وما يتصل به : فالوقف إذا جاز على اختلاف العلماء في ذلك ، فحكمه أنه يزول [ ص: 221 ] الموقوف عن ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف عليه ، لكنه ينتفع بغلته بالتصدق عليه ; لأن الوقف حبس الأصل وتصدق بالفرع ، والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن ، والواجب أن يبدأ بصرف الفرع إلى مصالح الوقف من عمارته وإصلاح ما وهي من بنائه وسائر مؤناته التي لا بد منها ، سواء شرط ذلك الواقف أو لم يشرط ; لأن الوقف صدقة جارية في سبيل الله تعالى ، ولا تجري إلا بهذا الطريق .

                                                                                                                                ولو وقف داره على سكنى ولده ، فالعمارة على من له السكنى ; لأن المنفعة له فكانت المؤنة عليه لقوله عليه الصلاة والسلام : { الخراج بالضمان } كالعبد الموصى بخدمته أن نفقته على الموصى له بالخدمة ; لما قلنا ، كذا هذا ، فإن امتنع ، من العمارة ولم يقدر عليها بأن كان فقيرا ، آجرها القاضي وعمرها بالأجرة ; لأن استيفاء الوقف واجب ولا يبقى إلا بالعمارة ، فإذا امتنع عن ذلك أو عجز عنه ناب القاضي منابه في استبقائه بالإجارة ، كالعبد والدابة إذا امتنع صاحبها عن الإنفاق عليها أنفق القاضي عليها بالإجارة ، كذا هذا .

                                                                                                                                وما انهدم من بناء الوقف وآلته صرفه الحاكم في عمارة الوقف إن احتاج إليه ، وإن استغنى عنه أمسكه إلى وقت الحاجة إلى عمارته فيصرفه فيها ، ولا يجوز أن يصرفه إلى مستحقي الوقف ; لأن حقهم في المنفعة والغلة لا في العين ، بل هي حق الله تعالى على الخلوص ، ولو جعل داره مسجدا فخرب جوار المسجد أو استغنى عنه لا يعود إلى ملكه ، ويكون مسجدا أبدا عند أبي يوسف ، وعند محمد يعود إلى ملكه ( وجه ) قول محمد أنه أزال ملكه بوجه مخصوص وهو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلي فيه الناس ، فإذا استغنى عنه فقد فات غرضه منه فيعود إلى ملكه ، كما لو كفن ميتا ثم أكله سبع وبقي الكفن يعود إلى ملكه ، كذا هذا ولأبي يوسف أنه لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله خالصا لله تعالى على الإطلاق ، وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق ، بخلاف تكفين الميت ; لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته ، وقد استغنى عنه فيعود ملكا له وقوله : أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه ، قلنا : ممنوع ، فإن المجتازين يصلون فيه ، وكذا احتمال عود العمارة قائم ، وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود ، ولو وقف دارا أو أرضا على مسجد معين قال بعضهم : هو على الاختلاف ، على قول أبي يوسف يجوز ، وعلى قول محمد لا يجوز ، بناء على أن المسجد عند أبي يوسف لا يصير ميراثا بالخراب ، وعند محمد يصير ميراثا ، وقال أبو بكر الأعمش : ينبغي أن يجوز بالاتفاق وقال أبو بكر الإسكاف : ينبغي أن لا يجوز بالاتفاق .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية