الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
مطلب : في فضائل الخوف والرجاء .

واعلم أن لكل من الخوف والرجاء فضائل جمة ، وردت عن نبي الرحمة . فمما ورد عنه في فضائل الخوف ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه { قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ، الإمام العادل ، وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل ، ورجل قلبه معلق بالمساجد ، ورجلان تحابا في الله اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه } . وفيهما عن أبي هريرة أيضا { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان رجل يسرف على نفسه ، لما حضره الموت قال لبنيه إذا أنا مت فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح ، والله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فعل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما فيك ففعلت فإذا هو قائم ، فقال ما حملك على ما صنعت ؟ قال خشيتك يا رب أو قال مخافتك فغفر له } . [ ص: 463 ] وفي رواية لهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { قال رجل لم يعمل حسنة قط لأهله : إذا أنا مت فحرقوه ثم ذروه نصفه في البر ونصفه في البحر ، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين . فلما مات الرجل فعلوا به ما أمرهم ، فأمر الله البر فجمع ما فيه ، وأمر البحر أن يجمع ما فيه ، ثم قال لم فعلت هذا ؟ قال من خشيتك يا رب وأنت أعلم ، فغفر الله تعالى له } . وفي رواية لهما عن أبي سعيد مرفوعا { أن رجلا كان قبلكم رغشه الله مالا ، فقال لبنيه لما حضر أي أب كنت لكم ؟ قالوا خير أب ، قال إني لم أعمل خيرا قط ، فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ، ففعلوا ، فجمعه الله فقال ما حملك ؟ فقال مخافتك ، فتلقاه برحمته }

قوله رغشه بفتح الراء والغين المعجمة بعدهما شين معجمة .

قال أبو عبيدة معناه أكثر له منه وبارك له فيه . وأخرج البيهقي والترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه مرفوعا { يقول الله عز وجل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام } .

وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه { عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه جل وعلا أنه قال وعزتي وجلالي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة } .

والترمذي وحسنه عن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل ، ألا إن سلعة الله غالية ، ألا إن سلعة الله الجنة } قوله أدلج بسكون الدال المهملة إذا سار من أول الليل . ومعنى الحديث أن من خاف ألزمه الخوف السلوك إلى الآخرة ، والمبادرة بالأعمال الصالحة ، خوفا من القواطع والعوائق .

وأخرج الحاكم والبيهقي وقال الحاكم صحيح الإسناد عن سهل بن سعد رضي الله عنه { أن فتى من الأنصار دخلته خشية الله فكان يبكي عند ذكر النار حتى حبسه ذلك في البيت ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه في البيت ، فلما دخل عليه اعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وخر ميتا . [ ص: 464 ] فقال النبي صلى الله عليه وسلم جهزوا صاحبكم فإن الفرق فلذ كبده } . قوله فإن الفرق إلخ الفرق بفتح الفاء والراء هو الخوف . وفلذ كبده بفتح الفاء واللام وبالذال المعجمة قطعه .

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من رحمته أحد } .

وأخرج الحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ، ولضحكتم قليلا ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله لا تدرون تنجون أو لا تنجون } قوله تجأرون بفتح المثناة فوق وإسكان الجيم بعدها همزة مفتوحة أي تضجون وتستغيثون .

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال { خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين } وفي رواية { بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا . فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رءوسهم ولهم خنين } قوله ولهم خنين هو بفتح الخاء المعجمة بعدها نون البكاء مع غنة باستنشاق الصوت من الأنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية