الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب ترك استعمال آل النبي على الصدقة

                                                                                                                1072 حدثني عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري أن عبد الله بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب حدثه أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حدثه قال اجتمع ربيعة بن الحارث والعباس بن عبد المطلب فقالا والله لو بعثنا هذين الغلامين قالا لي وللفضل بن عباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس قال فبينما هما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك فقال علي بن أبي طالب لا تفعلا فوالله ما هو بفاعل فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك قال علي أرسلوهما فانطلقا واضطجع علي قال فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا ثم قال أخرجا ما تصرران ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش قال فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس وقد بلغنا النكاح فجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون قال فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه قال وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه قال ثم قال إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس ادعوا لي محمية وكان على الخمس ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب قال فجاءاه فقال لمحمية أنكح هذا الغلام ابنتك للفضل بن عباس فأنكحه وقال لنوفل بن الحارث أنكح هذا الغلام ابنتك لي فأنكحني وقال لمحمية أصدق عنهما من الخمس كذا وكذا قال الزهري ولم يسمه لي حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بنحو حديث مالك وقال فيه فألقى علي رداءه ثم اضطجع عليه وقال أنا أبو حسن القرم والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في الحديث ثم قال لنا إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد وقال أيضا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ادعوا لي محمية بن جزء وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( فانتحاه ربيعة بن الحارث ) هو بالحاء ومعناه : عرض له وقصده .

                                                                                                                [ ص: 145 ] قوله : ( ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا ) معناه حسدا منك لنا .

                                                                                                                قوله : ( فما نفسناه عليك ) هو بكسر الفاء أي ما حسدناك ذلك .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( أخرجا ما تصرران ) هكذا هو في معظم الأصول ببلادنا ، وهو الذي ذكره الهروي والمازري وغيرهما من أهل الضبط ( تصرران ) بضم التاء وفتح الصاد وكسر الراء وبعدها راء أخرى ، ومعناه : تجمعانه في صدوركما من الكلام ، وكل شيء جمعته فقد صررته ، ووقع في بعض النسخ ( تسرران ) بالسين من السر ، أي ما تقولانه لي سرا ، وذكر القاضي عياض فيه أربع روايات هاتين الثنتين والثالثة ( تصدران ) بإسكان الصاد وبعدها دال مهملة معناه : ماذا ترفعان إلي قال : وهذه رواية السمرقندي ، والرابعة ( تصوران ) بفتح الصاد وبواو مكسورة ، قال : وهكذا ضبطه الحميدي ، قال القاضي : وروايتنا عن أكثر شيوخنا بالسين واستبعد رواية الدال ، والصحيح ما قدمناه عن معظم نسخ بلادنا ، ورجحه أيضا صاحب المطالع فقال : الأصوب ( تصرران ) بالصاد والراءين .

                                                                                                                قوله : ( قد بلغنا النكاح ) أي الحلم كقوله تعالى : حتى إذا بلغوا النكاح

                                                                                                                قوله : ( وجعلت زينب تلمع إلينا من وراء الحجاب ) هو بضم التاء وإسكان اللام وكسر الميم ، ويجوز فتح التاء والميم ، يقال : ألمع ولمع إذا أشار بثوبه أو بيده .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم لعبد المطلب بن ربيعة والفضل بن عباس - وقد سألاه العمل على الصدقة بنصيب العامل - : ( إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ) دليل على أنها محرمة سواء كانت بسبب العمل أو بسبب الفقر والمسكنة وغيرهما من الأسباب الثمانية ، وهذا هو الصحيح عند أصحابنا ، وجوز بعض أصحابنا لبني هاشم وبني المطلب العمل عليها بسهم العامل ؛ لأنه إجارة ، وهذا ضعيف أو باطل ، وهذا الحديث صريح في رده .

                                                                                                                [ ص: 146 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما هي أوساخ الناس ) تنبيه على علة في تحريمها على بني هاشم وبني المطلب ، وأنها لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ ، ومعنى ( أوساخ الناس ) أنها تطهير لأموالهم ونفوسهم كما قال تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها فهي كغسالة الأوساخ .

                                                                                                                قوله : ( حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره ) هكذا وقع في مسلم من رواية يونس عن ابن شهاب ، وسبق في الرواية التي قبل هذه عن جويرية عن مالك عن الزهري ، أن عبد الله بن نوفل ، وكلاهما صحيح ، والأصل هو رواية مالك ونسبه في رواية يونس إلى جده ، ولا يمتنع ذلك ، قال النسائي : ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن مالك إلا جويرية بن أسماء .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( أصدق عنهما من الخمس ) يحتمل أن يريد من سهم ذوي القربى من الخمس ؛ لأنهما من ذوي القربى ، ويحتمل أن يريد من سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الخمس .

                                                                                                                قوله عن علي رضي الله عنه : ( وقال : أنا أبو حسن القرم ) هو بتنوين ( حسن ) وأما ( القرم ) فبالراء مرفوع وهو السيد ، وأصله فحل الإبل ، قال الخطابي : معناه المقدم في المعرفة بالأمور والرأي كالفحل . هذا أصح الأوجه في ضبطه ، وهو المعروف في نسخ بلادنا .

                                                                                                                والثاني حكاه القاضي أبو الحسن القوم [ ص: 147 ] بالواو بإضافة ( حسن ) إلى القوم ، ومعناه عالم القوم وذو رأيهم .

                                                                                                                والثالث حكاه القاضي أيضا ( أبو حسن ) بالتنوين و ( القوم ) بالواو مرفوع ، أي أنا من علمتم رأيه أيها القوم . وهذا ضعيف ، لأن حروف النداء لا تحذف في نداء القوم ونحوه .

                                                                                                                قوله : ( لا أريم مكاني ) هو بفتح الهمزة وكسر الراء أي لا أفارقه .

                                                                                                                قوله : ( والله لا أريم مكاني حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به )

                                                                                                                قوله ( بحور ) هو بفتح الحاء المهملة أي بجواب ذلك ، قال الهروي في تفسيره : يقال كلمته فما رد علي حورا ولا حويرا ، أي جوابا ، قال : ويجوز أن يكون معناه الخيبة ، أي يرجعا بالخيبة ، وأصل ( الحور ) الرجوع إلى النقص ، قال القاضي : هذا أشبه بسياق الحديث ، أما قوله : ( ابناكما ) فهكذا ضبطناه ( ابناكما ) بالتثنية ، ووقع في بعض الأصول ( أبناؤكما ) بالواو على الجمع ، وحكاه القاضي أيضا قال : وهو وهم ، والصواب الأول ، وقال : وقد يصح الثاني على مذهب من جمع الاثنين .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ادعوا لي محمية بن جزء وهو رجل من بني أسد ) أما ( محمية ) فبميم مفتوحة ثم حاء مهملة ساكنة ثم ميم أخرى مكسورة ثم ياء مخففة ، وأما ( جزء ) فبجيم مفتوحة ثم زاي ساكنة ثم همزة ، هذا هو الأصح ، قال القاضي : هكذا تقوله عامة الحفاظ وأهل الإتقان ومعظم الرواة .

                                                                                                                وقال عبد الغني بن سعيد يقال : جزي بكسر الزاي يعني وبالياء ، وكذا وقع في بعض النسخ في بلادنا .

                                                                                                                قال القاضي : وقال أبو عبيدة : هو عندنا ( جز ) مشدد الزاي ، وأما قوله : ( وهو رجل من بني أسد ) فقال القاضي : كذا وقع ، والمحفوظ أنه من بني زبيد لا من بني أسد .




                                                                                                                الخدمات العلمية