الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإذا نذر صوم شهر لزمه التتابع ، وإن نذر صيام أيام معدودة لم يلزمه التتابع ، إلا أن يشترطه ، وإن نذر صياما متتابعا فأفطر لمرض أو حيض ، قضى لا غير ، وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف ، وإن أفطر لسفر ، أو ما يبيح الفطر ، فعلى وجهين . وإن نذر صياما فعجز عنه ، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، أطعم عنه لكل يوم مسكينا ، ويحتمل أن يكفر ، ولا شيء عليه .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإذا نذر صوم شهر ) خير بين أن يصوم شهرا بالهلال ، وبين أن يصوم بالعدد ثلاثين يوما ( لزمه التتابع ) قدمه في المحرر ، وصححه في الرعاية ، وهو قول أبي ثور ، لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع ، وكمن نواه ، وعنه : لا يلزمه ، لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين ، أو ثلاثين يوما ، ومحله ما لم يكن شرط ولا نية ، كما لو نذر عشرة أيام أو ثلاثين يوما ، وعلى الأول : إن قطعه بلا عذر استأنف ، وبعذر يخير بينه بلا كفارة وبين البناء ، ويتم ثلاثين ويكفر ( وإن نذر صيام أيام معدودة ) ولو ثلاثين يوما ( لم يلزمه التتابع ) نص عليه ، قال ابن البنا : رواية واحدة ، وجزم به في المحرر والوجيز ، لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى : فعدة من أيام أخر ] البقرة : 184 [ وعنه فيمن قال : لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعا ، وهذا يدل على وجوب التتابع في الأيام المنذورة ، اختاره القاضي ، قال في الكافي : والأول أولى ، وهذا محمول على من نوى التتابع ( إلا أن يشترطه ) فيلزمه للوفاء بنذره ، وذكر ابن البنا هل يلزمه التتابع فيما دون الثلاثين ؛ على روايتين ، صحح في [ ص: 340 ] الرعاية أنه يلزمه ، وقال بعض أصحابنا كلام أحمد على ظاهره ، ويلزمه التتابع في العشرة دون الثلاثين ، قال في الشرح : والصحيح أنه لا يلزمه التتابع ، وإن شرط تفريقها لزمه في الأقيس .

                                                                                                                          تنبيه : إذا نذر صوم الدهر لزمه ، ولم يدخل في نذره رمضان والأيام المنهي عنها ، فإن أفطر لعذر لم يقضه ويكفر ، وإن لزمه قضاء من رمضان أو كفارة قدمه على النذر ، وإذا لزمته الكفارة ، وكانت كفارته الصيام احتمل أن لا تجب ، واحتمل أن تجب ، ولا تجب بفعلها كفارة ( وإن نذر صياما متتابعا ) غير معين ( فأفطر لمرض أو حيض قضى لا غير ) كما لو أفطر في رمضان ، والمرض والحيض لا يقطع التتابع ، فلم يجب الاستئناف لبقاء التتابع حكما ، وذكر الخرقي : يتخير بين الاستئناف متتابعا بلا كفارة ، وبين البناء وقضاء ما ترك مع كفارة يمين ، وقدمه في المحرر والرعاية والفروع ، وإذا قلنا بالبناء فهل يتم ثلاثين ، أو الأيام الفائتة ؛ فيه وجهان ، وفي التكفير وجه كشهري الكفارة ، ذكره جماعة ( وإن أفطر لغير عذر لزمه الاستئناف ) وفاقا ضرورة الوفاء بالتتابع من غير كفارة ( وإن أفطر لسفر ، أو ما يبيح الفطر ، فعلى وجهين ) أي : إذا أفطر لعذر يبيح الفطر ، كالسفر ، فقيل : لا ينقطع التتابع مع القدرة على الصوم ، كالمرض الذي يجب معه الفطر ، وقيل : بلى ، لأنه أفطر باختياره كالفطر لغير عذر ، وعلى قول المؤلف : يفرق بين المرض المبيح ، والسفر المبيح ، فإن المرض ليس باختياره ، بخلاف السفر ، فناسب أن يقطع السفر التتابع ، لأنه من فعله ، بخلاف المرض ( وإن نذر صياما فعجز عنه ، لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، أطعم عنه [ ص: 341 ] لكل يوم مسكينا ) مع كفارة يمين ، نص عليه ، وصححه القاضي ، وقدمه في الفروع ، لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر ، وسبب الإطعام العجز عن واجب الصوم ، فقد اختلف السببان واجتمعا ، فلم يسقط واحد منهما ، لعدم ما يسقطه ، وعنه : لا يجب إلا الإطعام فقط ، وهو ما ذكره في المتن ، كما لو عجز عن الصوم المشروع ( ويحتمل أن يكفر ولا شيء عليه ) هذا رواية ، ذكرها ابن عقيل ، وجزم بها في الوجيز ، وقدمها في الكافي ، وذكر أنه أقيس لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من نذر نذرا لا يطيقه فكفارته كفارة يمين . رواه ابن ماجه ، والدارقطني ، وإسناده ثقات ، ورواه أبو داود ، وذكر أنه روي موقوفا على ابن عباس ، وكسائر النذور ، وقياس المنذور على المنذور أولى ، لأن رمضان يطعم عنه عند العجز بالموت ، فكذلك في الحياة ، وهذا بخلافه ، ويتخرج ألا تلزمه كفارة في العجز عنه ، كما لو عجز عن الواجب بأصل الشرع ، وفي النوادر احتمال يصام عنه ، وسبق فعل الولي عنه ، ذكره القاضي ، وكذا إن نذره عاجزا عنه ، نقل أبو طالب : ما كان نذر معصية ، أو لا يقدر عليه ، ففيه كفارة يمين ، ومرادهم غير الحج ، وإلا فلو نذر معضوب أو صحيح ألف حجة لزمه ، ويحج عنه ، والمراد لا يطيقه ولا شيئا منه ، وإلا أتى بما يطيقه منه ، وكفر للباقي ، وقيل : لا ينعقد نذره ، وظاهره : أنه إذا كان لعارض يرجى زواله ، فإنه ينتظر ، فإن كان عن صوم معين وفات وقته قضاه ، وهل يلزمه لفوات الوقت كفارة ؛ على روايتين




                                                                                                                          الخدمات العلمية