الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2114 153 \ 2029 - وعن عبد الله بن عتبة بن مسعود : أن عبد الله بن مسعود أتي في رجل - بهذا الخبر- قال : فاختلفوا إليه شهرا، أو قال : مرات - قال : فإني أقول فيها: إن لها صداقا كصداق نسائها، لا وكس ولا شطط، فإن لها الميراث، وعليها العدة، فإن يك صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله [ ص: 443 ] ورسوله بريئان. فقام ناس من أشجع، فيهم الجراح وأبو سنان، فقالوا : يا ابن مسعود، نحن نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضاها فينا، في بروع بنت واشق، وإن زوجها هلال بن مرة الأشجعي، كما قضيت. قال : ففرح عبد الله بن مسعود فرحا شديدا حين وافق قضاؤه قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                              قال الشافعي رضي الله عنه في هذا الحديث: فإن ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو أولى الأمور بنا ولا حجة في قول أحد دون النبي صلى الله عليه وسلم وإن كثروا ولا في قياس فلا شيء في قوله إلا طاعة الله بالتسليم له، وإن كان لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لأحد أن يثبت عنه ما لم يثبت، ولم أحفظه بعد من وجه يثبت مثله، وهو مرة يقال: عن معقل [ابن يسار ومرة عن معقل] بن سنان ومرة عن بعض أشجع ولا يسمى.

                                                              وذكر البيهقي أن عبد الرحمن بن مهدي إمام من أئمة أهل الحديث قد رواه - وذكر سنده أو قال: هذا إسناد صحيح، وقد سمى فيه معقل بن سنان وهو صحابي مشهور، ورواه يزيد بن هارون - وهو أحد حفاظ الحديث - مع عبد الرحمن بن مهدي وغيره بإسناد آخر صحيح - وذكر سنده - .

                                                              وقال البيهقي أيضا: وهذا الاختلاف في قصة بروع بنت واشق عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يوهن الحديث، فإن جميع هذه الروايات أسانيدها صحاح، وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك، فكأن بعض الرواة سمى فيهم واحدا وبعضهم سمى آخر وبعضهم سمى اثنين وبعضهم أطلق ولم يسم، وبمثله لا يرد [ ص: 444 ] الحديث، ولولا ثقة من رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان لفرح عبد الله بن مسعود بروايته معنى. هذا آخر كلامه. وقد صحح الحديث الترمذي.

                                                              وفيه أن الصواب في قول واحد، ولا يكون القولان المتضادان صوابا معا. وهو منصوص الأئمة الأربعة والسلف وأكثر الخلف.

                                                              وفيه أن الله تعالى هو الموفق للصواب، الملهم له بتوفيقه وإعانته، وأن الخطأ من النفس والشيطان، ولا يضاف إلى الله ولا إلى رسوله. ولا حجة فيه للقدرية المجوسية ، إذ إضافته إلى النفس والشيطان إضافة إلى محله ومصدره وهو النفس، وسببه ، وهو الشيطان وتلبيسه الحق بالباطل.

                                                              بل فيه رد على القدرية الجبرية الذين يبرئون النفس والشيطان من الأفعال البتة، ولا يرون للمكلف فعلا اختياريا يكون صوابا أو خطأ.

                                                              والذي دل عليه قول ابن مسعود، وهو قول الصحابة كلهم وأئمة السنة من التابعين ومن بعدهم: وهو إثبات القدر، الذي هو نظام التوحيد، وإثبات فعل العبد الاختياري، الذي هو نظام الأمر والنهي، وهو متعلق المدح والذم، والثواب والعقاب، والله أعلم.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية