الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 215 ] ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت وأرباب الولايات هم المذكورون في التي قبلها ، سوى والي البر بدمشق ، فإنه علم الدين طرقشي ، وقد صرف ابن معبد إلى ولاية حوران لشهامته ، وصرامته ، وديانته ، وأمانته .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رابع عشر المحرم حصلت زلزلة عظيمة بدمشق ، وقى الله شرها . وقدم نائب السلطنة تنكز من الحجاز ليلة الثلاثاء حادي عشر المحرم ، وكانت مدة غيبته ثلاثة أشهر ، وقدم ليلا لئلا يتكلف أحد لقدومه ، وسافر نائب الغيبة عنه قبل وصوله بيومين لئلا يكلفه بهدية ولا غيرها ، وقد قدم مغلطاي عبد الواحد الجمدار ، أحد الأمراء بمصر بخلعة سنية من السلطان لتنكز ، فلبسها وقبل العتبة الشريفة على العادة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأربعاء سادس صفر درس الشيخ نجم الدين القحفازي بالظاهرية للحنفية ، وهو خطيب جامع تنكز ، وحضر عنده القضاة والأعيان ، ودرس في قوله تعالى : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا [ النساء : 58 ] . وذلك [ ص: 216 ] بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي ، توفي في مرجعه من الحجاز ، وباشر بعده نيابة القضاء عماد الدين الطرسوسي ، وهو زوج ابنته ، وكان ينوب عنه في حال غيبته ، فاستمر بعده ، ثم ولي الحكم بعد مستنيبه فيها . وفيه قدم الخوارزمي حاجبا عوضا عن كتبغا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الأول قدم إلى دمشق الشيخ قوام الدين مسعود بن الشيخ برهان الدين محمد بن الشيخ شرف الدين محمد الكرماني الحنفي ، فنزل بالقصاعين ، وتردد إليه الطلبة ، ودخل إلى نائب السلطنة واجتمع به وهو شاب ، مولده سنة إحدى وسبعمائة ، وقد اجتمعت به ، وكان عنده مشاركة في الفروع والأصول ، ودعواه أوسع من محصوله ، وكانت لأبيه وجده مصنفات ، ثم صار بعد مدة إلى مصر ، ومات بها كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي ربيع الآخر تكامل فتح آياس ومعاملتها ، وانتزاعها من أيدي الأرمن ، وأخذ البرج الأطلس ، وبينه وبينها في البحر رمية ونصف ، فأخذه المسلمون بإذن الله وخربوه ، وكانت حجارته مطلية بالحديد والرصاص ، [ ص: 217 ] وعرض سوره ثلاثة عشر ذراعا بالنجاري ، وغنم المسلمون غنائم كثيرة جدا ، وحاصروا كوارة ، فقوي عليهم الحر والذباب ، فرسم السلطان بعودهم ، فحرقوا ما كان معهم من المجانيق ، وأخذوا حديدها ، وأقبلوا سالمين غانمين ، وكان معهم خلق من المتطوعين .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى كمل بسط داخل الجامع ، فاتسع على الناس ، ولكن حصل حرج بحمل الأمتعة على خلاف العادة ، فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواقات ويخرجون من باب البرادة ، ومن شاء استمر يمشي إلى الباب الآخر بنعليه ، ولم يكن ممنوعا سوى المقصورة ، لا يمكن أحدا الدخول إليها بالمداسات ، بخلاف باقي الرواقات ، فأمر نائب السلطنة بتكميل بسطه ، بإشارة ناظره ابن مراجل .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي جمادى الآخرة رجعت العساكر من بلاد سيس ومقدمهم آقوش نائب الكرك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي آخر رجب باشر القاضي محيي الدين إسماعيل بن جهبل نيابة الحكم عن ابن صصرى عوضا عن الداراني الجعفري ، واستغنى الداراني بخطبة جامع العقيبة عنها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 218 ] وفي ثالث عشر رجب ركب نائب السلطنة إلى خدمة السلطان ، فأكرمه وخلع عليه ، وعاد في أول شعبان ، ففرح به الناس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي رجب كملت عمارة الحمام الذي بناه الأمير علاء الدين بن صبح جوار داره شمالي الشامية البرانية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الاثنين تاسع شعبان عقد الأمير سيف الدين أبو بكر بن أرغون نائب السلطنة عقده على ابنة السلطان الملك الناصر ، وختن في هذا اليوم جماعة من أولاد الأمراء بين يديه ، ومد سماطا عظيما ، ونثرت الفضة على رءوس المطهرين ، وكان يوما مشهودا . ورسم السلطان في هذا الشهر بوضع المكس عن المأكولات بمكة ، وعوض صاحبها عن ذلك بإقطاع في بلاد الصعيد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي أواخر رمضان كملت عمارة الحمام الذي بناه بهاء الدين ابن عليمة بزقاق الماجية من قاسيون بالقرب من سكنه ، وانتفع به أهل تلك الناحية ومن جاورهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وخرج الركب الشامي يوم الخميس ثامن شوال وأميره سيف الدين بلطى نائب الرحبة ، وكان سكنه داخل باب الجابية بدرب ابن صبرة ، وقاضيه شمس الدين بن النقيب قاضي حمص .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 219 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية