الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ رحم ]

                                                          رحم : الرحمة : الرقة والتعطف ، والمرحمة مثله ، وقد رحمته وترحمت عليه . وتراحم القوم : رحم بعضهم بعضا . والرحمة : المغفرة ، وقوله تعالى في وصف القرآن : هدى ورحمة لقوم يؤمنون أي : فصلناه هاديا وذا رحمة ، وقوله تعالى : ورحمة للذين آمنوا منكم أي : هو رحمة ; لأنه كان سبب إيمانهم ، رحمه رحما ورحما ورحمة ورحمة ، حكى الأخيرة سيبويه ومرحمة . وقال الله - عز وجل - : وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أي : أوصى بعضهم بعضا برحمة الضعيف والتعطف عليه وترحمت عليه أي : قلت رحمة الله عليه . وقوله تعالى : إن رحمت الله قريب من المحسنين فإنما ذكر على النسب وكأنه اكتفى بذكر الرحمة عن الهاء ، وقيل : إنما ذلك ; لأنه تأنيث غير حقيقي والاسم الرحمى ، قال الأزهري : التاء في قوله ( عز وجل ) : ( إن رحمت ) أصلها هاء وإن كتبت تاء . الأزهري : قال عكرمة في قوله ( عز وجل ) : ابتغاء رحمة من ربك ترجوها : أي : رزق ، ولئن أذقناه رحمة ثم نزعناها منه : أي : رزقا وما أرسلناك إلا رحمة : أي : عطفا وصنعا ، وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء : أي : حيا وخصبا بعد مجاعة ، وأراد بالناس الكافرين . والرحموت : من الرحمة . وفي المثل : رهبوت خير من رحموت أي : لأن ترهب خير من أن ترحم ، لم يستعمل على هذه الصيغة إلا مزوجا . وترحم عليه : دعا له بالرحمة . واسترحمه : سأله الرحمة ، ورجل مرحوم ومرحم شدد للمبالغة . وقوله . تعالى : وأدخلناه في رحمتنا قال ابن جني : هذا [ ص: 125 ] مجاز وفيه من الأوصاف ثلاثة : السعة والتشبيه والتوكيد ، أما السعة فلأنه كأنه زاد في أسماء الجهات والمحال اسم هو الرحمة ، وأما التشبيه فلأنه شبه الرحمة وإن لم يصح الدخول فيها بما يجوز الدخول فيه فلذلك وضعها موضعه ، وأما التوكيد فلأنه أخبر عن العرض بما يخبر به عن الجوهر ، وهذا تغال بالعرض وتفخيم منه إذا صير إلى حيز ما يشاهد ويلمس ويعاين ، ألا ترى إلى قول بعضهم في الترغيب في الجميل : ولو رأيتم المعروف رجلا لرأيتموه حسنا جميلا ؟ كقول الشاعر :


                                                          ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل



                                                          فجعل له مذاقا وجوهرا ، وهذا إنما يكون في الجواهر ، وإنما يرغب فيه وينبه عليه ويعظم من قدره بأن يصوره في النفس على أشرف أحواله وأنوه صفاته ، وذلك بأن يتخير شخصا مجسما لا عرضا متوهما . وقوله تعالى : والله يختص برحمته من يشاء معناه يختص بنبوته من يشاء ممن أخبر - عز وجل - أنه مصطفى مختار . والله الرحمن الرحيم : بنيت الصفة الأولى على فعلان ; لأن معناه الكثرة ، وذلك لأن رحمته وسعت كل شيء وهو أرحم الراحمين ، فأما الرحيم فإنما ذكر بعد الرحمن لأن الرحمن مقصور على الله - عز وجل - والرحيم قد يكون لغيره ، قال الفارسي : إنما قيل بسم الله الرحمن الرحيم فجيء بالرحيم بعد استغراق الرحمن معنى الرحمة لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى : وكان بالمؤمنين رحيما كما قال : اقرأ باسم ربك الذي خلق ثم قال : خلق الإنسان من علق فخص بعد أن عم لما في الإنسان من وجوه الصناعة ووجوه الحكمة ، ونحوه كثير ، قال الزجاج : الرحمن اسم من أسماء الله - عز وجل - مذكور في الكتب الأول ، ولم يكونوا يعرفونه من أسماء الله ، قال أبو الحسن : أراه يعني أصحاب الكتب الأول ومعناه عند أهل اللغة ذو الرحمة التي لا غاية بعدها في الرحمة ; لأن فعلان بناء من أبنية المبالغة ، ورحيم فعيل بمعنى فاعل كما قالوا سميع بمعنى سامع وقدير بمعنى قادر ، وكذلك رجل رحوم وامرأة رحوم ، قال الأزهري ولا يجوز أن يقال رحمن إلا - لله عز وجل - وفعلان من أبنية ما يبالغ في وصفه ، فالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء ، فلا يجوز أن يقال رحمن لغير الله ، وحكى الأزهري عن أبي العباس في قوله : الرحمن الرحيم : جمع بينهما لأن الرحمن عبراني والرحيم عربي ، وأنشد لجرير :


                                                          لن تدركوا المجد أو تشروا عباءكم     بالخز أو تجعلوا الينبوت ضمرانا
                                                          أو تتركون إلى القسين هجرتكم     ومسحكم صلبهم رحمان قربانا ؟



                                                          وقال ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر ، فالرحمن الرقيق والرحيم العاطف على خلقه بالرزق ، وقال الحسن : الرحمن اسم ممتنع لا يسمى غير الله به ، وقد يقال رجل رحيم . الجوهري : الرحمن الرحيم اسمان مشتقان من الرحمة ، ونظيرهما في اللغة نديم وندمان ، وهما بمعنى ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد كما يقال فلان جاد مجد ، إلا أن الرحمن اسم مختص لله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره ولا يوصف ، ألا ترى أنه قال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره ، وهما من أبنية المبالغة ، ورحمن أبلغ من رحيم والرحيم يوصف به غير الله تعالى ، فيقال رجل رحيم ولا يقال رحمن ، وكان مسيلمة الكذاب يقال له رحمان اليمامة والرحيم قد يكون بمعنى المرحوم ، قال عملس بن عقيل :


                                                          فأما إذا عضت بك الحرب عضة     فإنك معطوف عليك رحيم



                                                          والرحمة في بني آدم عند العرب : رقة القلب وعطفه ورحمة الله : عطفه وإحسانه ورزقه . والرحم ، بالضم : الرحمة . وما أقرب رحم فلان إذا كان ذا مرحمة وبر أي : ما أرحمه وأبره . وفي التنزيل : وأقرب رحما وقرئت : رحما ، الأزهري : يقول أبر بالوالدين من القتيل الذي قتله الخضر ، وكان الأبوان مسلمين والابن كافرا ، فولد لهما بعد بنت فولدت نبيا ، وأنشد الليث :


                                                          أحنى وأرحم من أم بواحدها     رحما وأشجع من ذي لبدة ضاري



                                                          وقال أبو إسحاق في قوله : وأقرب رحما أي : أقرب عطفا وأمس بالقرابة . والرحم والرحم في اللغة : العطف والرحمة ، وأنشد :


                                                          فلا ومنزل الفرقا     ن ما لك عندها ظلم
                                                          وكيف بظلم جارية     ومنها اللين والرحم



                                                          وقال العجاج :


                                                          ولم تعوج رحم من تعوجا



                                                          وقال رؤبة :


                                                          يا منزل الرحم على إدريس



                                                          وقرأ أبو عمرو بن العلاء : ( وأقرب رحما ) ، بالتثقيل ، واحتج بقول زهير يمدح هرم بن سنان :


                                                          ومن ضريبته التقوى ويعصمه     من سيئ العثرات الله والرحم



                                                          وهو مثل عسر وعسر . وأم رحم وأم الرحم : مكة وفي حديث مكة : هي أم رحم أي : أصل الرحمة . والمرحومة : من أسماء مدينة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذهبون بذلك إلى مؤمني أهلها . وسمى الله الغيث رحمة ; لأنه برحمته ينزل من السماء . وقوله تعالى حكاية عن ذي القرنين : هذا رحمة من ربي أراد هذا التمكين الذي قال ما مكني فيه ربي خير ، أراد وهذا التمكين الذي آتاني الله حتى أحكمت السد رحمة من ربي . والرحم : رحم الأنثى ، وهي مؤنثة قال ابن بري : شاهد تأنيث الرحم قولهم رحم معقومة ، وقول ابن الرقاع :


                                                          حرف تشذر عن ريان منغمس [ ص: 126 ]     مستحقب رزأته رحمها الجملا



                                                          ابن سيده : الرحم والرحم بيت منبت الولد ووعاؤه في البطن ، قال عبيد :


                                                          أعاقر كذات رحم     أم غانم كمن يخيب ؟



                                                          قال : كان ينبغي أن يعادل بقوله ذات رحم نقيضتها فيقول أغير ذات رحم كذات رحم ، قال : وهكذا أراد لا محالة ولكنه جاء بالبيت على المسألة ، وذلك أنها لما لم تكن العاقر ولودا صارت ، وإن كانت ذات رحم ، كأنها لا رحم لها فكأنه قال : أغير ذات رحم كذات رحم ، والجمع أرحام ، لا يكسر على غير ذلك . وامرأة رحوم إذا اشتكت بعد الولادة رحمها ، ولم يقيده في المحكم بالولادة . ابن الأعرابي : الرحم خروج الرحم من علة ، والجمع رحم ، وقد رحمت رحما ورحمت رحما ، وكذلك العنز ، وكل ذات رحم ترحم ، وناقة رحوم كذلك ، وقال اللحياني : هي التي تشتكي رحمها بعد الولادة فتموت ، وقد رحمت رحامة ورحمت رحما وهي رحمة ، وقيل : هو داء يأخذها في رحمها فلا تقبل اللقاح وقال اللحياني : الرحام أن تلد الشاة ثم لا يسقط سلاها . وشاة راحم : وارمة الرحم ، وعنز راحم . ويقال : أعيا من يد في رحم ، يعني الصبي ; قال ابن سيده : هذا تفسير ثعلب . والرحم : أسباب القرابة ; وأصلها الرحم التي هي منبت الولد ، وهي الرحم الجوهري : الرحم القرابة ، والرحم ، بالكسر ، مثله ; قال الأعشى :


                                                          إما لطالب نعمة يممتها     ووصال رحم قد بردت بلالها



                                                          قال ابن بري : ومثله لقيل بن عمرو بن الهجيم :


                                                          وذي نسب ناء بعيد وصلته     وذي رحم بللتها ببلالها



                                                          قال : وبهذا البيت سمي بليلا ; وأنشد ابن سيده :


                                                          خذوا حذركم يا آل عكرم واذكروا     أواصرنا والرحم بالغيب تذكر



                                                          وذهب سيبويه إلى أن هذا مطرد في كل ما كان ثانيه من حروف الحلق ، بكرية ، والجمع منهما أرحام . وفي الحديث : من ملك ذا رحم محرم فهو حر ; قال ابن الأثير : ذوو الرحم هم الأقارب ، ويقع على كل من يجمع بينك وبينه نسب ، ويطلق في الفرائض على الأقارب من جهة النساء ، يقال : ذو رحم محرم ومحرم ، وهو من لا يحل نكاحه كالأم والبنت والأخت والعمة والخالة ، والذي ذهب إليه أكثر العلماء من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ، ذكرا كان أو أنثى ، قال : وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من ذوي قرابته ، وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالدان والإخوة ولا يعتق غيرهم . وفي الحديث : ثلاث ينقص بهن العبد في الدنيا ويدرك بهن في الآخرة ما هو أعظم من ذلك : الرحم والحياء وعي اللسان ; الرحم ، بالضم : الرحمة يقال : رحم رحما ، ويريد بالنقصان ما ينال المرء بقسوة القلب ، ووقاحة الوجه وبسطة اللسان التي هي أضداد تلك الخصال من الزيادة في الدنيا وقالوا : جزاك الله خيرا والرحم والرحم - بالرفع والنصب - وجزاك الله شرا والقطيعة - بالنصب - لا غير . وفي الحديث : إن الرحم شجنة معلقة بالعرش تقول : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني . الأزهري : الرحم القرابة تجمع بني أب . وبينهما رحم أي : قرابة قريبة . وقوله - عز وجل : واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام من نصب أراد واتقوا الأرحام أن تقطعوها ومن خفض أراد تساءلون به وبالأرحام ، وهو قولك : نشدتك بالله وبالرحم . ورحم السقاء رحما ، فهو رحم : ضيعه أهله بعد عينته فلم يدهنوه حتى فسد فلم يلزم الماء . والرحوم : الناقة التي تشتكي رحمها بعد النتاج ، وقد رحمت - بالضم - رحامة ورحمت - بالكسر - رحما . ومرحوم ورحيم : اسمان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية