الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في شروطه

وأما شروطه : فإن منها حد موضعه ، وجمهور العلماء على أن الحجر من البيت ، وأن من طاف بالبيت لزمه إدخال الحجر فيه ، وأنه شرط في صحة طواف الإفاضة ، وقال أبو حنيفة وأصحابه : هو سنة .

وحجة الجمهور ما رواه مالك عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت الكعبة ولصيرتها على قواعد إبراهيم " . فإنهم تركوا منها سبعة أذرع من الحجر ، ضاقت بهم النفقة والخشب ، وهو قول ابن عباس ، وكان يحتج بقوله - تعالى - : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) ثم يقول : طاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وراء الحجر " .

وحجة أبي حنيفة ظاهر الآية .

وأما وقت جوازه : فإنهم اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال :

أحدها : إجازة الطواف بعد الصبح والعصر ، ومنعه وقت الطلوع والغروب ، وهو مذهب عمر بن الخطاب وأبي سعيد الخدري ، وبه قال مالك وأصحابه وجماعة .

والقول الثاني : كراهيته بعد الصبح والعصر ، ومنعه عند الطلوع والغروب ، وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد وجماعة .

والقول الثالث : إباحة ذلك في هذه الأوقات كلها ، وبه قال الشافعي وجماعة .

وأصول أدلتهم راجعة إلى منع الصلاة في هذه الأوقات أو إباحتها . أما وقت الطلوع والغروب فالآثار متفقة على منع الصلاة فيها . والطواف هل هو ملحق بالصلاة ؟ في ذلك الخلاف .

ومما احتجت به الشافعية حديث جبير بن مطعم أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قال : " يا بني عبد مناف ، أو يا بني عبد المطلب : إن وليتم من هذا الأمر شيئا فلا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت أن يصلي فيه أي ساعة شاء من ليل أو نهار " رواه الشافعي وغيره عن ابن عيينة بسنده إلى جبير بن مطعم .

[ ص: 284 ] واختلفوا في جواز الطواف بغير طهارة مع إجماعهم على أن من سنته الطهارة ، فقال مالك والشافعي : لا يجزئ طواف بغير طهارة لا عمدا ولا سهوا . وقال أبو حنيفة : يجزئ ويستحب له الإعادة وعليه دم . وقال أبو ثور : إذا طاف على غير وضوء أجزأه طوافه إن كان لا يعلم ، ولا يجزئه إن كان يعلم .

والشافعي يشترط طهارة ثوب الطائف كاشتراط ذلك للمصلي .

وعمدة من شرط الطهارة في الطواف قوله - صلى الله عليه وسلم - للحائض - وهي أسماء بنت عميس - : " اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت " . وهو حديث صحيح . وقد يحتجون أيضا بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أحل فيه النطق فلا ينطق إلا بخير " .

وعمدة من أجاز الطواف بغير طهارة إجماع العلماء على جواز السعي بين الصفا والمروة من غير طهارة ، وأنه ليس كل عبادة يشترط فيها الطهر من الحيض من شرطها الطهر من الحدث ، أصله الصوم .

التالي السابق


الخدمات العلمية