الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : لكم دينكم ولي دين .

                                                                                                                                                                                                                                      هو نظير ما تقدم في سورة يونس أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون [ 10 \ 41 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكقوله : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم [ 28 \ 55 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وليس في هذا تقريرهم على دينهم الذي هم عليه ، ولكن من قبيل التهديد والوعيد كقوله : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها [ 18 \ 29 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السورة قوله : قل ياأيها الكافرون وصف يكفي بأن عبادتهم وديانتهم كفر .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قال لهم الحق : لا أعبد ما تعبدون لأنها عبادة باطلة ، عبادة الكفار ، وبعد ذلك إن أبيتم إلا هي فلكم دينكم ولي دين .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 136 ] تنبيه

                                                                                                                                                                                                                                      في هذه السورة منهج إصلاحي ، وهو عدم قبول ولا صلاحية أنصاف الحلول ; لأن ما عرضوه عليه صلى الله عليه وسلم من المشاركة في العبادة ، يعتبر في مقياس المنطق حلا وسطا لاحتمال إصابة الحق في أحد الجانبين ، فجاء الرد حاسما وزاجرا وبشدة ; لأن فيه أي فيما عرضوه مساواة للباطل بالحق ، وفيه تعليق المشكلة ، وفيه تقرير الباطل ، إن هو وافقهم ولو لحظة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تعتبر هذه السورة مميزة وفاصلة بين الطرفين ، ونهاية المهادنة ، وبداية المجابهة .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قالوا : إن ذلك بناء على ما أمره الله به في السورة قبلها : إنا أعطيناك الكوثر [ 108 \ 1 ] ، أي وإن كنت وصحبك قلة ، فإن معك الخير الكثير ، ولمجيء " قل " لما فيها من إشعار بأنك مبلغ عن الله ، وهو الذي ينصرك ، ولذا جاء بعدها حالا سورة النصر وبعد النصر : تب العدو .

                                                                                                                                                                                                                                      وهذا في غاية الوضوح ، ولله الحمد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية