الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو وطئ الحائض أو النفساء أو الصائمة أو المحرمة أو الحرة التي ظاهر منها ، أو الأمة المزوجة - لم تسقط عفته ; لقيام الملك أو النكاح حقيقة ، وأنه محلل إلا أنه منع من الوطء لغيره ، وكذا إذا وطئ مكاتبته في قولهما ، وإحدى الروايتين عن أبي يوسف وفي رواية أخرى عنه ، وهو قول زفر ; تسقط عفته .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أن هذا وطء حصل في غير الملك ; لأن عقد الكتابة أوجب زوال الملك في حق الوطء ، ألا ترى أنه لا يباح له أن يطأها ، وكذا المهر يكون لها لا للمولى ، وهذا دليل زوال الملك في حق الوطء ، ولنا أن الوطء يصادف الذات ، وملك الذات قائم بعد الكتابة ، فكان الملك المحلل قائما ، وإنما الزائل ملك اليد فمنع من الوطء ; لما فيه من استرداد يدها على نفسها فأشبهت الجارية المزوجة .

                                                                                                                                ولو تزوج معتدة الغير أو منكوحة الغير أو مجوسية أو أخته من الرضاع ; سقطت عفته ، سواء علم أو لم يعلم في قول أبي حنيفة رضي الله عنه وعندهما إذا كان لا يعلم - لا تسقط .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما أنه إذا لم يعلم - لا يكون الوطء حراما ، بدليل أنه لا يأثم ولو كان حراما لأثم ، وإذا لم يكن حراما - لم تسقط العفة ، ولأبي حنيفة رحمه الله أن حرمة الوطء ههنا ثابتة بالإجماع ، إلا أن الإثم منتف ، والإثم ليس من لوازم الحرمة على ما عرف ، وإذا كانت الحرمة ثابتة بيقين سقطت العفة ، ولو قبل امرأة بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة ، ثم تزوج بابنتها فوطئها أو تزوج بأمها فوطئها ; لا تسقط عفته في قول أبي حنيفة - رحمه الله - وعندهما تسقط .

                                                                                                                                وجه قولهما أن التقبيل أو النظر أوجب حرمة المصاهرة ، وإنها حرمة مؤبدة فتسقط العصمة كحرمة الرحم المحرم ، ولأبي حنيفة - رحمه الله - أن هذه الحرمة ليست مجمعا عليها ، بل هي محل الاجتهاد في السلف ، فلا تسقط العفة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية