الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله [14]

                                                                                                                                                                                                                                        "يغفروا" في موضع جزم . قال الفراء : هذا مجزوم بالتشبيه بالجزم والشرط كأنه كقولك : قم تصب خيرا . وليس كذلك . قال أبو جعفر : يذهب إلى أنه لما وقع في جواب الأمر كان مجزوما وإن لم يكن جوابا ، وهذا غير محصل والأولى فيه ما سمعت علي بن سليمان يحكيه عن محمد بن يزيد عن أبي عثمان المازني قال : التقدير : قل للذين آمنوا اغفروا يغفروا . وهذا قول محصل لا إشكال فيه ، وهو جواب كما تقول : أكرم زيدا يكرمك . وتقديره : إن تكرمه يكرمك . وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ( ليجزي قوما ) وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي ( لنجزي قوما) بالنون . وقرأ أبو جعفر القارئ ( ليجزي قوما) . قال أبو جعفر : القراءة الأولى والثانية حسنتان معناهما واحد ، وإن كان أبو عبيد يختار الأولى ويحتج بأن قبله ( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) فيختار "ليجزي قوما" ليعود الضمير على اسم الله جل وعز . وهذا لا يوجب اختيارا؛ لأنه كلام الله جل وعز ووحيه فقوله جل ثناؤه لنجزي إخبارا عنه جل وعز فأما ( ليجزي قوما ) فقال أبو إسحاق : هو [ ص: 144 ] لحن عند الخليل وسيبويه وجميع البصريين وقال الفراء : هو لحن في الظاهر ، وهو عند البصريين لحن في الظاهر والباطن ، وإنما أجازه الكسائي على شذوذ بمعنى : ليجزى الجزاء قوما فأضمر الجزاء ولو أظهره ما جاز فكيف وقد أضمره؟ وقد أجمع النحويون على أنه لا يجوز : ضرب الضرب زيدا ، حتى أنه قال بعضهم : لا يجوز : ضرب زيدا سوطا؛ لأن سوطا مصدر ، وإنما يقام المصدر مقام الفاعل مع حروف الخفض إذا نعت فإذا لم يكن منعوتا لم يجز . وهذا أعجب أن يقام المصدر مقام الفاعل غير منعوت مع اسم غير مصدر ، وفيه أيضا علة أخرى أنه أضمر الجزاء ولم يتقدم له ذكر على أن "يجزي" يدل عليه . وهذا ، وإن كان يجوز فإنه مجاز فأما إنشادهم :


                                                                                                                                                                                                                                        ولو ولدت قفيرة جرو كلب لسب بذلك الجرو الكلابا



                                                                                                                                                                                                                                        فلا حجة فيه ، ورأيت أبا إسحاق يذهب إلى أن تقديره : ولو ولدت قفيرة الكلاب و"جرو كلب" منصوب على النداء .

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية