الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسبعمائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      استهلت هذه السنة وسلطان الإسلام بالديار المصرية ، والبلاد الشامية ، والمملكة الحلبية ، وما والاها ، والحرمين الشريفين الملك الصالح صلاح الدين صالح ابن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ، ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي ، والمشار إليهم في تدبير المملكة الأمراء الثلاثة; سيف الدين شيخون ، وسيف الدين طاز ، وسيف الدين صرغتمش الناصريون ، وقضاة القضاة ، وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية ، ونائب حلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ; لأجل مقاتلة أولئك الأمراء الثلاثة; بيبغا ، وأمير أحمد ، وبكلمش ، الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية ، ثم لجئوا إلى بلاد الأبلستين في خفارة ابن دلغادر التركماني ، ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر ، وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور ، ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ، ولله الحمد والمنة ، ونائب طرابلس الأمير سيف [ ص: 554 ] الدين أيتمش الذي كان نائب دمشق كما ذكرنا ، ثم تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابلس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واستهلت هذه السنة وقد تواترت الأخبار بأن الأمراء الثلاثة بيبغا وبكلمش وأمير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الأمير سيف الدين أرغون ، وهم مسجونون بقلعتها ، ينتظر ما يرسم به فيهم ، وقد فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين طقطاي الدوادار عائدا من البلاد الحلبية ، وفي صحبته رأس بيبغا الباغي ، أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بكلمش الذي كان نائبا بطرابلس ، وأمير أحمد الذي كان نائب حماة ، فقطعت رءوسهما بحلب بين يدي نائبها الأمير سيف الدين أرغون الكاملي ، وسيرت إلى مصر ، ولما وصل بيبغا بعدهما فعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة ، والجيش برمته والعامة على الأحاجير يتفرجون ، ويفرحون بمصرعه ، وسر المسلمون كلهم ، ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول أقيمت جمعة جديدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له : مسجد المزاز ، وخطب فيه جمال الدين [ ص: 555 ] عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ، ثم وقع في ذلك كلام ، فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكب ، وحملوا سناجق خليفتية من جامعهم ومصاحف ، واشتملوا إلى نائب السلطنة ، وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم ، فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة ، ثم وقع نزاع في جواز ذلك ، ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار ، وجرت خطوب طويلة بعد ذلك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي يوم الأحد سابع ربيع الآخر توفي الأمير الكبير سيف الدين ألجيبغا العادلي ، ودفن بتربته التي كان أنشأها قديما ظاهر باب الجابية ، وهي مشهورة تعرف به ، وكان له في الإمرة قريبا من ستين سنة ، وقد كان أصابه في نوبة أرغون شاه وقضيته ضربة أصابت يده اليمنى ، واستمر مع ذلك على إمرته وتقدمته محترما معظما إلى أن توفي ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية