الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ صحة الفهم نعمة ]

وقوله : " فافهم إذا أدلى إليك " صحة الفهم وحسن القصد من أعظم نعم الله التي أنعم بها على عبده ، بل ما أعطي عبد عطاء بعد الإسلام أفضل ولا أجل منهما ، بل هما ساقا الإسلام ، وقيامه عليهما ، وبهما يأمن العبد طريق المغضوب عليهم الذين فسد قصدهم وطريق الضالين الذين فسدت فهومهم ، ويصير من المنعم عليهم الذين حسنت أفهامهم وقصودهم ، وهم أهل الصراط المستقيم الذين أمرنا أن نسأل الله أن يهدينا صراطهم في كل صلاة ، وصحة الفهم نور يقذفه الله في قلب العبد ، يميز به بين الصحيح والفاسد ، والحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، ويمده حسن القصد ، وتحري الحق ، وتقوى الرب في السر والعلانية ، ويقطع مادته اتباع الهوى ، وإيثار الدنيا ، وطلب محمدة الخلق ، وترك التقوى .

[ التمكن بنوعين من الفهم ]

ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم :

أحدهما : فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علما .

والنوع الثاني : فهم الواجب في الواقع ، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان قوله في هذا الواقع ، ثم يطبق أحدهما على الآخر ; فمن بذل جهده واستفرغ وسعه في ذلك لم يعدم أجرين أو أجرا ; فالعالم من يتوصل بمعرفة الواقع والتفقه فيه إلى معرفة حكم الله ورسوله ، كما توصل شاهد يوسف بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه ، وكما توصل سليمان صلى الله عليه وسلم بقوله : " ائتوني بالسكين حتى أشق الولد بينكما " إلى معرفة عين الأم ، وكما توصل أمير المؤمنين علي عليه السلام بقوله للمرأة التي حملت كتاب حاطب ما أنكرته لتخرجن الكتاب أو لأجردنك إلى استخراج الكتاب منها .

وكما توصل الزبير بن العوام بتعذيب أحد ابني أبي الحقيق بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دلهم على كنز جبى لما ظهر له كذبه في دعوى ذهابه بالإنفاق بقوله : المال كثير والعهد أقرب من ذلك ، وكما توصل النعمان بن بشير بضرب المتهمين بالسرقة إلى ظهور المال المسروق عندهم ، فإن ظهر وإلا ضرب من اتهمهم كما ضربهم ، وأخبر أن هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا ، ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم ، ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله [ ص: 70 ]

وقوله : " فما أدلى إليك " أي ما توصل به إليك من الكلام الذي تحكم به بين الخصوم ، ومنه قولهم : أدلى فلان بحجته ، وأدلى بنسبه ، ومنه قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } أي تضيفوا ذلك إلى الحكام وتتوصلوا بحكمهم إلى أكلها .

فإن قيل : لو أراد هذا المعنى لقيل : " وتدلوا بالحكام إليها " وأما الإدلاء بها إلى الحكام فهو التوصل بالبرطيل بها إليهم فترشوا الحاكم لتتوصلوا برشوته إلى الأكل بالباطل .

قيل : الآية تتناول النوعين ، فكل منهما إدلاء إلى الحكام بسببها ، فالنهي عنهما معا

التالي السابق


الخدمات العلمية