الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ( ومنها ) ملك السارق المسروق قبل القضاء نحو ما إذا وهب المسروق منه [ ص: 89 ] المسروق من السارق قبل القضاء ، وجملة الكلام فيه أن الأمر لا يخلو إما أن وهبه منه قبل القضاء ، وإما أن وهبه بعد القضاء قبل الإمضاء فإن وهبه قبل القضاء يسقط القطع بلا خلاف ، وإن وهبه بعد القضاء قبل الإمضاء يسقط عندهما ، وقال أبو يوسف : لا يسقط ، وهو قول الشافعي - رحمهما الله - احتج أبو يوسف بما روي { : أن سارق رداء صفوان أخذ فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع يده فقال صفوان يا رسول الله إني لم أرد هذا هو عليه صدقة فقال عليه الصلاة والسلام : فهلا قبل أن تأتيني به } فدل أن الهبة قبل القضاء تسقط ، وبعده لا تسقط .

                                                                                                                                ولأن وجوب القطع حكم معلق بوجود السرقة وقد تمت السرقة ، ووقعت موجبة للقطع لاستجماع شرائط الوجوب فطريان الملك بعد ذلك لا يوجب خللا في السرقة الموجودة فبقي القطع واجبا كما كان ، كما لو رد المسروق على المالك بعد القضاء ، بخلاف ما قبل القضاء ; لأن الخصومة شرط ظهور السرقة الموجبة للقطع عند القاضي ، وقد بطل حق الخصومة .

                                                                                                                                ( وجه ) قولهما : أن القبض شرط لثبوت الملك في الهبة ، والملك في الهبة يثبت من ، وقت القبض فيظهر الملك له من ذلك الوقت من كل وجه ، أو من وجه ، وكون المسروق ملكا للسارق على الحقيقة أو الشبهة يمنع من القطع ; ولهذا لم يقطع قبل القضاء فكذلك بعده ; لأن القضاء في باب الحدود إمضاؤها فما لم يمض فكأنه لم يقض ، ولو كان لم يقض أليس أنه لا يقطع فكذا إذا لم يمض .

                                                                                                                                ولأن الطارئ في باب الحدود ملحق بالمقارن ; إذا كان في الإلحاق إسقاط الحد ، وههنا فيه إسقاط الحد فيلحق به .

                                                                                                                                ( وأما ) الحديث فلا حجة له فيه ; لأن المروي قوله " هو عليه صدقة " ، وقوله " هو " يحتمل أنه أراد به المسروق ، ويحتمل أنه أراد به القطع ، وهبة القطع لا تسقط الحد يدل عليه أنه روي في بعض الروايات أنه قال : وهبت القطع ، وكذا يحتمل أنه تصدق عليه بالمسروق ، أو وهبه منه ، ولكنه لم يقبضه ، والقطع إنما يسقط بالهبة مع القبض ، وعلى هذا إذا باع المسروق من السارق قبل القضاء ، أو بعده على الاتفاق ، والاختلاف ولو زنى بامرأة ثم تزوجها لا يسقط الحد ; لأن الملك الثابت بالنكاح لا يحتمل الاستناد إلى وقت الوطء فلا تثبت الشبهة في الزنا ; فيحد .

                                                                                                                                ( وأما ) حكم السقوط بعد الثبوت لمانع ، وهو الشبهة وغيرها ، فدخول المسروق في ضمان السارق حتى لو هلك في يده بنفسه ، أو استهلكه السارق يضمن ; لأن المانع من الضمان هو القطع ، فإذا سقط القطع زال المانع فيضمن ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية