الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        104 - الحديث الأول : عن أنس بن مالك رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما : كانوا يستفتحون الصلاة ب { الحمد لله رب العالمين } } . وفي رواية " صليت مع أبي بكر وعمر وعثمان ، فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم " . ولمسلم { صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون ب الحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها } .

                                        التالي السابق


                                        أما قوله { كانوا يستفتحون الصلاة ب الحمد لله رب العالمين } فقد تقدم [ ص: 272 ] الكلام في مثله وتأويل من تأول ذلك بأنه كان يبتدئ بالفاتحة قبل السورة . وأما بقية الحديث فيستدل به من يرى عدم الجهر بالبسملة في الصلاة . والعلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب :

                                        أحدها : تركها سرا وجهرا . وهو مذهب مالك .

                                        الثاني : قراءتها سرا لا جهرا وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد .

                                        الثالث : الجهر بها في الجهرية . وهو مذهب الشافعي .

                                        والمتيقن من هذا الحديث : عدم الجهر . وأما الترك أصلا : فمحتمل ، مع ظهور ذلك في بعض الألفاظ . وهو قوله " لا يذكرون " . وقد جمع جماعة من الحفاظ باب الجهر ، وهو أحد الأبواب التي يجمعها أهل الحديث ، وكثير منها - أو الأكثر - معتل ، وبعضها جيد الإسناد إلا أنه غير مصرح فيه بالقراءة في الفرض ، أو في الصلاة . وبعضها فيه ما يدل على القراءة في الصلاة إلا أنه ليس بصريح الدلالة على خصوص التسمية . ومن صحيحها : حديث نعيم بن عبد الله المجمر قال { كنت وراء أبي هريرة . فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم قرأ بأم القرآن ، حتى بلغ ولا الضالين قال : آمين . وقال الناس : آمين ، ويقول كلما سجد : الله أكبر ، وإذا قام من الجلوس قال : الله أكبر ويقول إذا سلم : والذي نفسي بيده ، إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم } . وقريب من هذا في الدلالة والصحة : حديث المعتمر بن سليمان { وكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، قبل فاتحة الكتاب وبعدها ، ويقول : ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي . وقال أبي : ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس . وقال أنس : ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم } وذكر الحاكم أبو عبد الله : أن رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات . وإذا ثبت شيء من ذلك فطريق أصحاب الجهر : أنهم يقدمون الإثبات على النفي ويحملون حديث أنس على عدم السماع . وفي ذلك بعد ، مع طول مدة صحبته . وأيد المالكية ترك التسمية بالعمل المتصل من أهل المدينة . والمتيقن من ذلك - كما ذكرناه في الحديث الأول - ترك الجهر ، إلا أن يدل دليل صريح على الترك مطلقا .




                                        الخدمات العلمية