الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                116 ص: فإن قيل: فإنا قد رأينا الذبيحة لا بد من التسمية عندها، ومن ترك ذلك متعمدا لم تؤكل ذبيحته، فالتسمية أيضا على الوضوء كذلك، قيل له: ما ثبت في حكم النظر أن من ترك التسمية متعمدا على الذبيحة أنها لا تؤكل; فقد تنازع الناس في ذلك، فقال بعضهم: تؤكل، وقال بعضهم: لا تؤكل، فأما من قال: تؤكل فقد كفينا البيان لقوله، وأما من قال: لا تؤكل فإنه يقول: إن تركها ناسيا أكل، وسواء عنده كان الذابح مسلما أو كافرا بعد أن يكون كتابيا، فجعلت التسمية ها هنا في قول من أوجبها في الذبيحة إنما هي لبيان الملة، فإذا سمى الذابح صارت ذبيحته من ذبائح الملة المأكولة ذبيحتها، وإذا لم يسم جعلت من ذبائح الملل التي لا تؤكل ذبيحتها، والتسمية للوضوء ليست للملة إنما هي مجعولة لذكر على سبب من أسباب الصلاة، فرأينا من أسباب الصلاة: الوضوء، وستر العورة، ، فكان من ستر عورته لا بتسمية لم يضره ذلك، فالنظر على ذلك أن يكون من تطهر أيضا لا بتسمية لم يضره ذلك، وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال وارد على وجه النظر المذكور، تقريره أن يقال: إنا وجدنا شيئا يحتاج في الدخول له إلى التسمية ليصح ذلك الشيء كالذبيحة، قال: من أراد أن يذبح لا بد من التسمية عنده حتى تحل ذبيحته حتى إذا تركها عمدا لم تؤكل ذبيحته; لفوات شرطه، فكان ينبغي أن تكون التسمية على الوضوء كذلك، والجامع أن كلا منهما فعل تدخل فيه.

                                                [ ص: 237 ] وتقرير الجواب أن نقول: لا نسلم ثبوت عدم أكل الذبيحة بترك التسمية عمدا فيما يقتضيه النظر والقياس، فهذا باب تنازع فيه العلماء، فقال بعضهم: تؤكل، وهو قول الشافعي ، ومالك -في قول- وأحمد -في رواية- وقال بعضهم: لا تؤكل، وهو قول الحنفية ، فعلى القول الأول لا يرد السؤال، فلا يحتاج إلى الجواب، وهو معنى قوله: فأما من قال تؤكل فقد كفينا البيان، فنحتاج إلى الجواب على القول الثاني، وهو أن يقال: وجوب التسمية على الذبيحة لبيان الملة، أي الدين، حتى إذا سمى تصير ذبيحته من ذبائح أهل الدين، وإذا لم يسم لم تؤكل; لأنا إنما أمرنا بها إظهارا لمخالفة المشركين; لأنهم كانوا يسمون آلهتهم عند الذبح، فكان الترك عمدا مفسدا، والتسمية على الوضوء ليست لأجل ذلك المعنى، وإنما هي مجعولة لذكر على شرط من شروط الصلاة، وشروط الصلاة كثيرة وهي: الوضوء، وستر العورة، واستقبال القبلة، وغيرها، فلم يقل أحد: إن ستر العورة يحتاج إلى التسمية، أو استقبال القبلة، وأن تركها يضر ذلك، فالنظر على ذلك إذا توضأ ولم يسم لا يضره ذلك.

                                                قوله: "من أسباب الصلاة" أراد بها الشروط، وأطلق عليها أسبابا باعتبار اللغة، فإن السبب هو الذي يتوصل به إلى المقصود، ومنه سمي الحبل سببا; فكذلك الشروط يتوصل بها إليه.

                                                وفي الاصطلاح: السبب ما يتوصل به إلى الحكم من غير أن يثبت به، والشرط ما يوجد الحكم عند وجوده، وينعدم عند عدمه.

                                                قوله: "وهذا قول أبي حنيفة " وهو قول الشافعي ومالك أيضا كما ذكرناه.




                                                الخدمات العلمية