الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم )

                                                                                                                                                                                                                                            قوله تعالى : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم )

                                                                                                                                                                                                                                            اعلم أن هذا هو النوع السادس من دلائل التوحيد وهو الاستدلال بحصول الإحياء ، والإماتة لهذه الحيوانات على وجود الإله القادر المختار .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) ففيه قولان :

                                                                                                                                                                                                                                            منهم من حمله على القدر المشترك بين إحياء النبات والحيوان .

                                                                                                                                                                                                                                            ومنهم من يقول : وصف النبات بالإحياء مجاز فوجب تخصيصه بإحياء الحيوان .

                                                                                                                                                                                                                                            ولما ثبت بالدلائل العقلية أنه لا قدرة على خلق الحياة إلا للحق سبحانه كان حصول الحياة للحيوان دليلا قاطعا على وجود الإله الفاعل المختار ، وقوله : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) يفيد الحصر أي لا قدرة على الإحياء ولا على الإماتة إلا لنا ، وقوله : ( ونحن الوارثون ) معناه : أنه إذا مات جميع الخلائق ، فحينئذ يزول ملك كل أحد عند موته ، ويكون الله هو الباقي الحق المالك لكل المملوكات وحده فكان هذا شبيها بالإرث فكان وارثا من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : المستقدمين يريد أهل طاعة الله تعالى والمستأخرين يريد المتخلفين عن طاعة الله .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أراد بالمستقدمين الصف الأول من أهل الصلاة ، وبالمستأخرين الصف الآخر ، روي أنه صلى الله عليه وسلم رغب في الصف الأول في الصلاة ، فازدحم الناس عليه ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، والمعنى : أنا نجزيهم على قدر نياتهم .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : قال الضحاك ومقاتل : يعني في وصف القتال .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : قال ابن عباس في رواية أبي الجوزاء كانت امرأة حسناء تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان قوم يتقدمون إلى الصف الأول ; لئلا يروها ، وآخرون يتخلفون ويتأخرون ليروها ، وإذا ركعوا جافوا أيديهم لينظروا من تحت آباطهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : قيل المستقدمون هم الأموات والمستأخرون هم الأحياء . وقيل : المستقدمون هم الأمم السالفة ، والمستأخرون هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال عكرمة : المستقدمون من خلق والمستأخرون من لم يخلق .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 142 ] واعلم أنه تعالى لما قال : ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) أتبعه بقوله : ( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) تنبيها على أنه لا يخفى على الله شيء من أحوالهم ، فيدخل فيه علمه تعالى بتقدمهم وتأخرهم في الحدوث والوجود ، وبتقدمهم وتأخرهم في أنواع الطاعات والخيرات ، ولا ينبغي أن نخص الآية بحالة دون حالة .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما قوله : ( وإن ربك هو يحشرهم ) فالمراد منه التنبيه على أن الحشر والنشر والبعث والقيامة أمر واجب .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( إنه حكيم عليم ) معناه : أن الحكمة تقتضي وجوب الحشر والنشر على ما قررناه بالدلائل الكثيرة في أول سورة يونس عليه السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية