الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا .



قوله تعالى : إنا أرسلناك شاهدا قال قتادة : على أمتك بالبلاغ . وقيل : شاهدا عليهم بأعمالهم من طاعة أو معصية . وقيل : مبينا لهم ما أرسلناك به إليهم . وقيل : شاهدا عليهم يوم القيامة . فهو شاهد أفعالهم اليوم ، والشهيد عليهم يوم القيامة . وقد مضى في ( النساء ) عن سعيد بن جبير هذا المعنى مبينا . ومبشرا : لمن أطاعه بالجنة . ونذيرا : من النار لمن عصى ، قاله قتادة وغيره . وقد مضى في ( البقرة ) اشتقاق البشارة والنذارة ومعناهما . وانتصب " شاهدا ومبشرا ونذيرا " على الحال المقدرة . حكى سيبويه : مررت برجل معه صقر صائدا به غدا ، فالمعنى : إنا أرسلناك مقدرين بشهادتك يوم القيامة . وعلى هذا تقول : رأيت عمرا قائما غدا .

لتؤمنوا بالله ورسوله قرأ ابن كثير وابن محيصن وأبو عمرو ( ليؤمنوا ) بالياء ، وكذلك ( يعزروه ويوقروه ويسبحوه ) كله بالياء على الخبر . واختاره أبو عبيد لذكر المؤمنين قبله وبعده ، فأما قبله فقوله : " ليدخل " وأما بعده فقوله : إن الذين يبايعونك الباقون بالتاء على الخطاب ، واختاره أبو حاتم . وتعزروه أي تعظموه وتفخموه ، قاله الحسن والكلبي ، والتعزيز : التعظيم والتوقير . وقال قتادة : تنصروه وتمنعوا منه . ومنه التعزير في الحد لأنه مانع . قال القطامي :

[ ص: 244 ]

ألا بكرت مي بغير سفاهة تعاتب والمودود ينفعه العزر



وقال ابن عباس وعكرمة : تقاتلون معه بالسيف . وقال بعض أهل اللغة : تطيعوه .

وتوقروه أي تسودوه ، قاله السدي . وقيل : تعظموه . والتوقير : التعظيم والترزين أيضا . والهاء فيهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - . وهنا وقف تام ، ثم تبتدئ وتسبحوه أي تسبحوا الله بكرة وأصيلا أي عشيا . وقيل : الضمائر كلها لله تعالى ، فعلى هذا يكون تأويل تعزروه وتوقروه أي : تثبتوا له صحة الربوبية وتنفوا عنه أن يكون له ولد أو شريك . واختار هذا القول القشيري . والأول قول الضحاك ، وعليه يكون بعض الكلام راجعا إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو وتسبحوه من غير خلاف . وبعضه راجعا إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهو وتعزروه وتوقروه أي : تدعوه بالرسالة والنبوة لا بالاسم والكنية . وفي ( تسبحوه ) وجهان : تسبيحه بالتنزيه له سبحانه من كل قبيح . والثاني : هو فعل الصلاة التي فيها التسبيح . ( بكرة وأصيلا ) أي : غدوة وعشيا . وقد مضى القول فيه . وقال الشاعر [ أبو ذؤيب ] :


لعمري لأنت البيت أكرم أهله     وأجلس في أفيائه بالأصائل



التالي السابق


الخدمات العلمية