الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          وإن اشتبهت عليه في السفر ، اجتهد في طلبها بالدلائل ، وأثبتها القطب ، فإذا جعله وراء ظهره ، كان مستقبلا للقبلة ، والشمس ، والقمر ، ومنازلهما ، وما يقترن بها ، كلها تطلع من الشرق ، وتغرب في الغرب عن يمين المصلي ، والرياح الجنوب تهب ، مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه ، والشمال مقابلتها تهب إلى مهب الجنوب ، والدبور تهب مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن ، والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها

                                                                                                                          [ ص: 409 ]

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          ( وإن اشتبهت عليه في السفر ) ولم يمكنه معرفتها ( اجتهد في طلبها ) لأن ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه كالحكم في الحادثة ، والمجتهد في القبلة هو العالم بأدلتها ، لأن من علم أدلة شيء كان مجتهدا فيه ، والجاهل الذي لا يعرف أدلتها وإن كان فقيها ، وكذا الأعمى فهذان فرضهما التقليد ، ويجب على من يريد السفر تعلم ذلك ، ومنعه قوم ، لأن جهة القبلة مما يندر التباسه ، والمكلف يجب عليه تعلم ما يعم لا ما يندر ( بالدلائل ) جمع دليل ، وهو أمور منها : النجوم قال الله تعالى وبالنجم هم يهتدون [ النحل : 16 ] ( وأثبتها القطب ) لأنه لا يزول عن مكانه إلا قليلا ، ويمكن كل أحد معرفته ، قال جماعة : وأصحها وأقواها القطب بتثليث القاف ، حكاه ابن سيده ، وهو نجم خفي شمالي ، وذكر السامري أنه الجدي ، وحوله أنجم دائرة كفراشة الرحى ، في أحد طرفيها الجدي ، والآخر الفرقدان ، وبين ذلك ثلاثة أنجم من فوق ، وثلاثة من أسفل ، تدور هذه الفراشة حول القطب دوران فراشة الرحى حول سفودها ، في كل يوم وليلة دورة ، وعليه تدور بنات نعش ، وهي سبعة أنجم متفرقة مضيئة مما تلي الفرقدين ، وهو خفي جدا يراه حديد النظر إذا لم يكن القمر طالعا [ ص: 407 ] ( فإذا جعله وراء ظهره كان مستقبلا للقبلة ) بالشام ، والعراق ، والجزيرة ، لأنه قد أخبر بذلك ثقات عن يقين ، وقيل : ينحرف في الشام إلى الشرق قليلا ، وبالعراق يجعله حذاء أذنه اليمنى على علوها ، ذكره المؤلف ، وذكر ابن تميم أنه إذا جعل القطب أو الجدي أو الفرقدين أو بنات نعش وراءه فقد استقبلها فيما ذكرنا ، وفيه وجه : لا يجتهد ، وعليه أن يصلي إلى أربع جهات .

                                                                                                                          ( والشمس ، والقمر ، ومنازلهما ، وما يقترن بها ، ويقاربها كلها تطلع من الشرق ، وتغرب في الغرب عن يمين المصلي ) وذلك معلوم ، لكن الشمس تختلف مطالعها ومغاربها على حسب اختلاف منازلها ، فتطلع قرب الجنوب شتاء ، وقرب الصبا صيفا ، وهي في الطلوع والغروب كما ذكره ، والقمر يبدو أول ليلة هلالا في المغرب عن يمين المصلي ، ثم يتأخر كل ليلة منزلا حتى يكون في السابع وقت المغرب في قبلة يصلي مائلا عنها قليلا إلى المغرب ، ثم ليلة الرابع عشر من المشرق قبل غروب الشمس بدرا فيكون مراده عند التكامل ، وليلة إحدى وعشرين يكون في قبلة المصلي أو قريبا منها وقت الفجر ، وليلة ثمان وعشرين يبدو عند الفجر كالهلال من المشرق ، وتختلف مطالعه بحسب اختلاف منازله ، وهي ثمانية وعشرون منزلا ، ينزل في كل ليلة واحدا منها ، والشمس تنزل في كل منزل منها ثلاثة عشر يوما ، فيكون عودها إلى المنزل الذي نزلت فيه عند تمام حول كامل من أحوال السنة الشمسية ، فالمنازل منها ما بين طلوعها إلى غروبها أربعة عشر منزلا ، ومن غروبها إلى طلوعها كذلك ، فوقت الفجر منها منزلان ، والمغرب منزل ، وهو نصف سواد الليل ، وسواد الليل ، وسواد الليل اثنا عشر منزلا ( والرياح ) وأمهاتها أربع ، لكن قال أبو المعالي : الاستدلال بها ضعيف ( الجنوب تهب [ ص: 408 ] مستقبلة لبطن كتف المصلي اليسرى مارة إلى يمينه ) في الزاوية التي بين المشرق والقبلة ، فإذا استقبلها المصلي كانت القبلة بالعراق عن يمينه ، والمشرق على يساره ، وفي الشام من مطلع سهيل إلى مطلع الشمس في الشتاء ( والشمال مقابلتها ) تهب من ظهر المصلي ، لأن مهبها من القطب إلى مغرب الشمس في الصيف ( تهب إلى مهب الجنوب ) ، فإذا استقبلها يكون على يمينه ، والمغرب على يساره ( والدبور تهب مستقبلة شطر وجه المصلي الأيمن ) من الزاوية التي بين القبلة والمغرب ، فإذا استقبلها يكون القطب على يساره ، والمشرق على يمينه ( والصبا مقابلتها تهب إلى مهبها ) فهي تهب يسرة المتوجه إلى قبلة الشام ، لأن مهبها من مطلع الشمس في الصيف إلى مطلع العيوق ، فإذا استقبلها كانت القبلة بالعراق على يساره ، والمغرب على يمينه ، وتسمى القبول ، لأن باب الكعبة ، وعادة أبواب العرب إلى مطلع الشمس فتقابلهم ، وبقية الرياح عن جنوبهم ، وشمائلهم ، ومن ورائهم .



                                                                                                                          فوائد : قال جماعة من أصحابنا : يستدل بالأنهار الكبار غير المحددة ، فكلها بخلقة الأصل تجري من مهب الشمال من يمنة المصلي إلى يسرته على انحراف قليل إلا نهرين أحدهما بخراسان ، ويسمى المقلوب ، والآخر بالشام ، ويسمى العاصي ، فإنهما يجريان عكس ذلك ، قال في " المغني " : وهذا لا ينضبط ، لأن الأردن بالشام يجري نحو القبلة ، وكثير منها يجري نحو البحر يصب فيه . وبالجبال ، فإن غالب وجوهها إلى القبلة خلفه يعرفه أهله ، وبالمجرة في السماء ، وهي أول الليل ممتدة على كتف المصلي الأيسر إلى القبلة ، وفي آخره على الأيمن في الصيف ، وفي الاستدلال بها فيه نظر ، ولهذا لم يذكرها الأكثر منهم المؤلف .



                                                                                                                          [ ص: 409 ] مسألة : يستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت ، ويتوجه وجوبه ، فإن دخل الوقت ، وخفيت عليه لزمه قولا واحدا لقصر زمنه ، ويقلد لضيق الوقت ، لأن القبلة يجوز تركها للضرورة ، وهي شدة الخوف ، ولا يعيد ، بخلاف الطهارة ، والأعمى يقلد فيه ، وله العمل بلمس محراب ونحوه ، فإن قلد غيره ، ثم أبصر في الصلاة ، وفرضه قبول الخبر أتمها ، وكذا إن كان فرضه الاجتهاد ، ورأى ما يدل على صوابه ، وإن لم ير شيئا ، أو كان قلد غيره لعماه بطلت في الأشهر ، ومن صلى باجتهاد أو بيقين ، ثم عمي فيها ، بنى فقط .




                                                                                                                          الخدمات العلمية