الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ولو قال بعتك هذا الدار وأراد حدودها ) صح البيع ( أو ) باعه ( جزءا مشاعا منها كالثلث ونحوه ) صح البيع ( أو ) باعه ( عشرة أذرع ) منها ( وعين الطرفين ) أي : الابتداء والانتهاء ( صح ) البيع لانتفاء المانع وإن قال بعتك نصيبي من هذه الدار وجهلاه ، أو أحدهما لم يصح .

                                                                                                                      ( وإن عين ابتداءها ) أي : العشرة أذرع مثلا ( ولم يعين انتهاءها ) أو بالعكس ( لم يصح ) البيع ( نصا ) ; لأنه لا يعلم إلى أين ينتهي قياس العشرة فيؤدي إلى الجهالة .

                                                                                                                      ( وكذا ) لو باعه عشرة أذرع مثلا ( من ثوب ) وعين ابتداءها دون انتهائها أو بالعكس لم يصح البيع لما تقدم ( ومثله ) أي مثل ما تقدم من بيع عشرة أذرع عين ابتداءها فقط في عدم الصحة ( بعني نصف دارك التي تلي داري ) على جعل " التي " صفة للنصف فكان الصواب تذكيره كما في بعض النسخ والمنتهى وغيره ويكون تعيينا لابتداء النصف دون انتهائه قال الإمام أحمد ; لأنه أي : العاقد ( لا يدري إلى أين ينتهي ) النصف الذي يلي الدار فيؤدي إلى الجهالة بالمبيع ( وإن قصد ) بقوله : بعتك نصف داري التي تلي دارك ( الإشاعة ) في النصف ، بأن اعتبر التي تلي دارك : نعتا للدار وأبقى النصف على إطلاقه فيكون مشاعا ( صح ) البيع في النصف مشاعا لعدم الجهالة .

                                                                                                                      ( وإن باعه أرضا ) معلومة ( إلا جريبا ) تقدم مقداره في الأرضين المغنومة ( أو ) باعه ( جريبا من أرض ) غير معين ( وهما ) [ ص: 171 ] أي المتعاقدان ( يعلمان ) عدد ( جربانها صح ) البيع .

                                                                                                                      ( وكان ) الجريب ( مشاعا فيها ) أي : الأرض للبائع في الأولى وللمشتري في الثانية ( وإلا ) بأن لم يعلما جربانها ( لم يصح ) البيع ; لأنه ليس معينا ولا مشاعا .

                                                                                                                      ( وكذا الثوب ) لو باعه إلا ذراعا أو باع ذراعا منه فإن علما ذرعه صح ، وإلا لم يصح لما تقدم .

                                                                                                                      ( وإن باعه أرضا من هنا إلى هنا صح ) البيع لتعيين الابتداء والانتهاء لما تقدم ( وإن قال بعتك من هذا الثوب من هذا الموضع إلى هذا ) الموضع ( صح ) البيع للعلم بالمبيع ( فإن كان القطع لا ينقصه ) أي : الثوب قطعاه ( أو ) كان ( شرطه البائع ) للمشتري ( قطعاه ) ولو نقصه إذن وفاء بالشرط .

                                                                                                                      ( وإن كان ) القطع ( ينقصه ) أي الثوب ولم يشترطاه ( وتشاحا ) في القطع ( صح ) البيع ولم يجبر البائع على قطع الثوب ( وكانا شريكين فيه ) ; لأن الضرر لا يزال بالضرر فإن تنازعا بيع وقسط الثمن على حقها وكذا لو باعه خشبة بسقف ، أو فصا بخاتم .

                                                                                                                      ( وإن باعه نصفا ) أو نحوه ( معينا من نحو حيوان ) أو إناء أو سيف أو نحوه ( لم يصح ) البيع .

                                                                                                                      ( وتقدم بعضه وإن باعه حيوانا مأكولا إلا رأسه وجبره وأطرافه صح ) البيع والاستثناء ( سفرا وحضرا ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم { لما خرج من مكة - أي مهاجرا - إلى المدينة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة فمروا براعي غنم فاشتريا منه شاة وشرطا له سلبها } رواه أبو الخطاب ويلحق الحضر بالسفر ( وإن باع ذلك ) أي : الجلد والرأس والأطراف ( منفردا ) أي : مستقلا ( لم يصح ) البيع ، كبيع الصوف على الظهر ( والذي يظهر ، أن المراد بعدم الصحة إذا لم تكن الشاة ) أو نحوها ( للمشتري فإن كانت ) الشاة أو نحوها ( له صح ) بيع ذلك للمشتري منفردا له ( كبيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمن الأصل له ) هذا معنى كلامه في الإنصاف .

                                                                                                                      ( فإن امتنع مشتر من ذبحه ) أي : ذبح المستثنى منه ( لم يجبر ) عليه ( إذا أطلق العقد ) بأن لم يشترط عليه البائع ذبحه ; لأن الذبح ينقصه ( ولزمته ) أي : المشتري ( قيمة المستثنى تقريبا ) للبائع .

                                                                                                                      وفي الفروع : يتوجه إن لم يذبحه : أن للمشتري الفسخ وإلا فقيمته كما روى عن علي قال في المبدع : ولعله مرادهم وقوله للمشتري ، قال ابن نصر الله : صوابه للبائع ( فإن شرط البائع ) لحيوان دون رأسه وجلده وأطرافه ( الذبح ليأخذ المستثنى لزم المشتري الذبح ) وفاء بالشرط ; لأنه أدخل الضرر على نفسه ( و ) لزمه ( دفع [ ص: 172 ] المستثنى قاله في شرح المحرر ) هو كلام غيره .

                                                                                                                      ( وللمشتري الفسخ لعيب يختص هذا المستثنى ) بأن كان العيب بالرأس أو الجلد أو الأطراف ; لأن الجسد كله يتألم لتألم شيء منه .

                                                                                                                      ( وإن استثنى حمله ) أي حمل المبيع من حيوان أو أمة لم يصح البيع ( أو ) باعه حيوانا واستثنى ( شحمه ، أو استثنى ) رطلا من لحمه ، أو رطلا من ( شحمه ) لم يصح البيع بما يبقى ( أو باعه سمسما واستثنى كسبه ) لم يصح ; لأنه قد باعه الشيرج في الحقيقة وهو غير معلوم فإنه غير معين ولا موصوف ( أو ) استثنى ( شيرجه ) ، ( أو ) باعه ( قطنا ) فيه حبه ( واستثنى حبه لم يصح ) البيع لما تقدم ( كبيع ذلك ) المذكور من حمل أو شحم وما بعده ( منفردا ) فما لا يصح بيعه منفردا لا يصح استثناؤه إلا رأس مأكول وجلده وأطرافه كما تقدم ( وكذا الطحال والكبد ونحوهما ) كالرئة والقلب لا يصح بيعها مفردة ولا استثناؤها ( ولو استثنى جزءا مشاعا معلوما من نحو شاة كربع صح ) البيع والاستثناء ، للعلم بالمبيع .

                                                                                                                      و ( لا ) يصح بيع نحو شاة إن استثنى ( ربع لحمها ) وحده ; لأنه لا يصح بيعه منفردا بخلاف بيع ربعها ( ويصح بيع أمة حامل بحر وتقدم ) في آخر الشرط الثالث .

                                                                                                                      ( و ) يصح ( بيع حيوان مذبوح ) كما قبل الذبح ( و ) يصح ( بيع لحمه ) أي : لحم الحيوان المذبوح ( في جلده ، و ) يصح ( بيع جلده ) أي جلد الحيوان المذبوح .

                                                                                                                      ( وحده ) أي دون لحمه وباقي أجزائه ( ولو عد ألف جوزة ووضعها في كيل ) على قدرها ( ثم فعل مثل ذلك بلا عد ) بأن صار يملأ الكيل ويعتبر ملأه بألف ( لم يصح ) ذلك بل لا بد من العد لاختلاف الجوز كبرا وصغرا ( ويصح بيع ما مأكوله في جوفه كرمان وبيض وجوز ونحوها ) من لوز وبندق ; لأن الحاجة تدعو إلى ذلك ولكونه من مصلحته ويفسد بإزالته .

                                                                                                                      ( و ) يصح ( بيع الباقلا والجوز واللوز ونحوه ) كالحمص ( في قشره مقطوعا وفي شجره ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } فدل على الجواز بعد بدو الصلاح سواء كانت مستورة بغيرها أو لا .

                                                                                                                      ( و ) يجوز بيع ( الطلع قبل تشققه ) إذا قطع من شجرته ، كاللوز في قشره .

                                                                                                                      ( و ) يصح ( بيع الحب المشتد في سنبله مقطوعا وفي شجره ) ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الاشتداد غاية للبيع ، وما بعد الغاية مخالف ما قبلها فوجب زوال المنع ويدخل الساتر من قشر وتبن تبعا فإن استثنى القشر أو التبن لم يصح البيع ; لأنه يصير كبيع النوى ويصح بيع التبن دون [ ص: 173 ] الحب قبل تصفية الحب منه ; لأنه معلوم بالمشاهدة كما لو باع القشر دون ما داخله ، أو باع التمر دون نواه قال في شرح المنتهى : وفيه نظر ; لأن ما لا يصح بيعه مفردا لا يصح استثناؤه .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية