الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) أربعة شهدوا على رجل بالزنا وهو غير محصن وضربه الإمام الحد ثم وجد أحدهم عبدا وقد مات من ذلك الضرب أو لم يمت فلا شيء في بيت المال ولا على الإمام في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما هو على بيت المال وعلى هذا لو رجع الشهود وقد جرحته [ ص: 64 ] السياط فلا ضمان على الشهود في قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى وعندهما يضمن الشهود أرش الجراحات والدية إن مات من ذلك .

( وحجتنا ) أن الجلدات أقيمت عليه بشهادتهم ، فالشاهد يجعل كالمباشر لما أوجبه بشهادته في حكم الضمان كما لو كان الحد رجما ، وكما أن شهود القصاص وشهود القتل إذا رجعوا ضمنوا ما أتلف بشهادتهم كأنهم باشروا ذلك فهذا مثله ، فإذا ثبت أنهم كالمباشرين تلفا ومن ضرب إنسانا بسوط فجرحه من ذلك فهو ضامن أرش الجراحة ولو مات من ذلك كان ضامنا للدية فكذلك إذا رجعوا هنا ، وإذا ظهر أنهم عبيد فقد ظهر الخطأ من الإمام ، فذلك الضمان في بيت المال وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول إنما أوجبوا بشهادتهم ضربا مؤلما غير جارح ومتلف ، بدليل أنه لا يقام هذا الحد الشديد على المريض كي لا يؤدي إلى الإتلاف ، وبدليل أنه يختار لإقامة الحد سوطا لا ثمرة له كي لا يجرحه ، ويفرق على الأعضاء كي لا يؤدي إلى الجراحة ، ولأنه لو ضربه فلم يجرحه يتم إقامة الحد حتى لا يعاد عليه فيثبت أنهم إذا أوجبوا بشهادتهم ضربا مؤلما غير جارح ولا متلف ، ولكن الجراحة والإتلاف أفضت إليه الشهادة والشاهد عند الرجوع لا يضمن ما أفضى إليه شهادته كالشهادة بالنسب في حال الحياة إذا رجع بعد ما مات المشهود عليه وورث المشهود له بنسبة .

وكما أن الجراحة والإتلاف ليس من موجب الشهادة فكذا ليس من موجب القضاء ; لأن القاضي إنما يقضي بما شهد به الشهود فلا يمكن إيجاب الضمان على القاضي ولا في بيت المال ; لأنه إنما يجب في بيت المال ما كان واجبا بقضاء القاضي إذا تبين فيه الخطأ ، ولا شيء على الجلاد أيضا ; لأنه امتثل أمر القاضي وهو مجتهد فيما أقام من الحد ، فلهذا لا يضمن أحد شيئا بخلاف ما إذا باشر الضرب بالسوط فإنما يحصل بضربه من موجبات فعله وهو متعد في ذلك فكان مؤاخذا بضمانه

التالي السابق


الخدمات العلمية