الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة اشتد الغلاء بالبلاد المصرية لعدم زيادة النيل ، وتعذرت الأقوات حتى أكل الناس الميتة ، وأكل بعضهم بعضا ، ثم لحقهم عليه وباء وموت كثير أفنى الناس .

وفي شعبان منها تزلزلت الأرض بالموصل ، وديار الجزيرة كلها ، والشام ، ومصر وغيرها ، فأثرت في الشام أثارا قبيحة ، وخربت كثيرا من الدور بدمشق ، وحمص ، وحماة ، وانخسفت قرية من قرى بصرى ، وأثرت في الساحل الشامي أثرا كثيرا ، فاستولى الخراب على طرابلس ، وصور ، وعكا ، ونابلس ، وغيرها من القلاع ، ووصلت الزلزلة إلى بلد الروم ، وكانت بالعراق يسيرة لم تهدم دورا .

وفيها ولد ببغداد طفل له رأسان ، وذلك أن جبهته مفروقة بمقدار ما يدخل فيها ميل .

[ الوفيات ]

وفي هذه السنة ، في شهر رمضان ، توفي أبو الفرج عبد الرحمن علي بن [ ص: 182 ] الجوزي الحنبلي الواعظ ببغداد ، وتصانيفه مشهورة ، وكان كثير الوقيعة في الناس لا سيما في العلماء المخالفين لمذهبه والموافقين له ، وكان مولده سنة عشر وخمسمائة .

وفيها أيضا توفي عيسى بن نصير النميري الشاعر ، وكان حسن الشعر ، وله أدب وفضل ، وكان موته ببغداد .

وفيها توفي العماد أبو عبد الله محمد بن حامد بن محمد بن ألة ، أوله باللام المشددة ، وهو العماد الكاتب الأصفهاني ، كتب لنور الدين محمود بن زنكي ولصلاح الدين يوسف بن أيوب ، - رضي الله عنهما - وكان كاتبا مفلقا ، قادرا على القول .

وفيها جمع عبد الله بن حمزة العلوي المتغلب على جبال اليمن جموعا كثيرة فيها اثنا عشر ألف فارس ، ومن الرجالة ما لا يحصى كثرة ، وكان قد انضاف إليه من جند المعز بن إسماعيل بن سيف الإسلام طغدكين بن أيوب ، صاحب اليمن ، خوفا منه ، وأيقنوا بملك البلاد ، واقتسموها ، وخافهم ابن سيف الإسلام خوفا عظيما ، فاجتمع قواد عسكر ابن حمزة ليلا ليتفقوا على رأي يكون العمل بمقتضاه ، وكانوا اثني عشر قائدا فنزلت عليهم صاعقة أهلكتهم جميعهم ، فأتى الخبر ابن سيف الإسلام في باقي الليلة بذلك ، فصار إليهم مجدا فأوقع بالعسكر المجتمع ، فلم يثبتوا له ، وانهزموا بين يديه ، ووضع السيف فيهم ، فقتل منهم ستة آلاف قتيل أو أكثر من ذلك ، وثبت ملكه واستقر بتلك الأرض .

وفيها وقع في بني عنزة بأرض الشراة بين الحجاز واليمن ، وباء عظيم ، وكانوا يسكنون في عشرين قرية ، فوقع الوباء في ثماني عشرة قرية ، فلم يبق منهم أحد . وكان الإنسان إذا قرب من تلك القرى يموت ساعة ما يقاربها ، فتحاماها الناس ، وبقيت إبلهم وأغنامهم لا مانع لها ، وأما القريتان الأخريان فلم يمت فيهما أحد ، ولا أحسوا بشيء مما كان فيه أولئك .

التالي السابق


الخدمات العلمية