الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 354 ] باب إحياء الموات قوله ( وهي الأرض الداثرة التي لا يعلم أنها ملكت ) . قال أهل اللغة " الموات من الأرض هي التي لم تستخرج ولم تعمر " . قال الحارثي : وظاهر إيراد المصنف : تعريف " الموات " بمجموع أمرين : الاندراس ، وانتفاء العلم ، تحصيلا للمعنى المتقدم عن أهل اللغة : أنه الذي لم يستخرج ، ولم يعمر . وعليه نص الإمام أحمد وذكره . قال : ولو اقتصر المصنف على ما قالوا لكان أولى وأبين . فإن الدثور يقتضي حدوث العطل بعد أن لم يكن ، حيث قالوا : قدم ودرس . وذلك يستلزم تقدم عمارة . وهو مناف لانتفاء العلم بالملك . قال : ويحتمل أن يريد بالدائرة : التي لم تستخرج ولم تعمر . وهو الأظهر من إيراده لقوله بعده " فإن كان فيها آثار الملك " . فعلى هذا يكون وصف " انتفاء العلم بالملك " تعريفا لما يملك بالإحياء من الموات ، لا لماهية الموات . وذلك حكم من الأحكام . ثم ما يملك بالإحياء ، لا يكفي فيه ما قال . فإن حريم العامر ، وما كان حمى أو مصلى : لا يملك ، مع أنه غير مملوك . ويرد أيضا على ما قال : ما علم ملكه لغير معصوم . فإنه جائز الإحياء . قال : والأضبط في هذا : ما قيل " الأرض المنفكة عن الاختصاصات ، وملك المعصوم " فيدخل كل ما يملك بالإحياء . ويخرج كل ما لا يملك به . انتهى . قوله ( فإن كان فيها آثار الملك ولا يعلم لها مالك : فعلى روايتين ) إن كان الموات لم يجر عليه ملك لأحد ، ولم يوجد فيه أثر عمارة : ملك بالإحياء بلا خلاف . ونص عليه مرارا . وإن علم له مالك بشراء أو عطية ، والمالك موجود هو أو أحد من ورثته : [ ص: 355 ] لم يملك بالإحياء بلا خلاف ، بل هو إجماع . حكاه ابن عبد البر وغيره . وإن كان قد ملك بالإحياء ، ثم ترك حتى دثر وعاد مواتا : فهذا أيضا لا يملك بالإحياء كذلك ، إذا كان لمعصوم . وإن علم ملكه لمعين غير معصوم ، فإذا أحياه بدار الحرب واندرس : كان كموات أصلي . يملكه المسلم بالإحياء . قاله في المحرر . وقدمه الحارثي . وقال القاضي ، وابن عقيل ، وأبو الفرج الشيرازي : لا يملك بالإحياء . قال الحارثي : ويقتضيه مطلق نصوصه . وإن كان لا يعلم له مالك . فهو أربعة أقسام : أحدها : ما أثر الملك فيه غير جاهلي ، كالقرى الخربة ، التي ذهبت أنهارها ، ودرست آثارها . وقد شملها كلام المصنف . ففي ملكها بالإحياء روايتان . وأطلقهما الحارثي ، وغيره .

إحداهما : لا تملك بالإحياء .

والرواية الثانية : تملك بالإحياء . وصححه في الحاوي الصغير ، والفائق ، والنظم . وأطلقوا . والصحيح من المذهب : التفرقة بين دار الحرب ودار الإسلام . كما يأتي قريبا

تنبيه : لفظ المصنف وغيره : يقتضي تعميم الخلاف في المندرس بدار الإسلام وبدار الحرب . وقد صرح به في كل منهما : القاضي ، وابن عقيل ، والقاضي أبو الحسين ، وأبو الفرج الشيرازي ، والمصنف في المغني ، والشرح ، وغيرهم . قال الحارثي : وبالجملة ، فالصحيح : المنع في دار الإسلام . وكذا قال الأصحاب . بخلاف دار الحرب . فإن الأصح فيه الجواز . ولم يذكر ابن عقيل في التذكرة سواه . [ ص: 356 ] قال في الرعايتين : وتملك بالإحياء على الأصح قرية خراب ، لم يملكها معصوم . وإذا قيل بالمنع في دار الإسلام : كان للإمام إقطاعه . قاله الأصحاب : القاضي في الأحكام السلطانية ، وصاحب المستوعب ، والتلخيص ، وغيرهم .

القسم الثاني : ما أثر الملك فيه جاهلي قديم كديار عاد ، ومساكن ثمود ، وآثار الروم وقد شملها أيضا كلام المصنف . وكذا كلام القاضي ، وابن عقيل ، وغيرهم من الأصحاب . ولم يذكر القاضي في الأحكام السلطانية خلافا في جواز إحيائه . وكذلك المصنف في المغني . وهو الصحيح من المذهب . وهي طريقة صاحب المحرر ، والوجيز ، وغيرهما . قال الحارثي : وهو الحق ، والصحيح من المذهب . فإن الإمام أحمد رحمه الله وأصحابه لا يختلف قوله في البئر العادية . وهو نص منه في خصوص النوع . وصحح الملك فيه بالإحياء : صاحب التلخيص ، والفائق ، والشرح ، والفروع ، والتصحيح ، وغيرهم .

القسم الثالث : ما لا أثر فيه جاهلي قريب . وقد شمله كلام المصنف . والصحيح من المذهب : أنه يملك بالإحياء . قاله الحارثي وغيره .

والرواية الثانية : لا يملك .

القسم الرابع : ما تردد في جريان الملك عليه . وفيه روايتان . ذكرهما ابن عقيل في التذكرة ، والسامري ، وصاحب التلخيص ، وغيرهم . وقالوا : الأصح الجواز .

والرواية الثانية : عدم الجواز .

التالي السابق


الخدمات العلمية