الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر حصر خوارزم شاه هراة وعوده عنها

لما أرسل خوارزم شاه إلى غياث الدين في الصلح ، وأجابه عن رسالته مع الحسين المرغني مغالطا ، قبض خوارزم شاه على الحسين ، وسار إلى هراة ليحاصرها ، فكتب الحسين إلى أخيه عمر بن محمد المرغني أمير هراة ، يخبره بذلك فاستعد للحصار .

وكان سبب قصد خوارزم شاه حصار هراة أن رجلين أخوين ، ممن كان يخدم محمدا سلطان شاه ، اتصلا بغياث الدين ، بعد وفاة سلطان شاه ، فأكرمهما غياث الدين ، وأحسن إليهما ، يقال لأحدهما الأمير الحاجي ، فكاتبا خوارزم شاه ، وأطمعاه في البلد ، وضمنا له تسليمه إليه فسار لذلك ، ونازل المدينة وحصرها ، فسلم الأمير عمر المرغني أمير البلد ، مفاتيح الأبواب إليهما ، وجعلهما على القتال ثقة منه بهما ، وظنا منه أنهما عدوا خوارزم شاه تكش وابنه محمد بعده ، فاتفق أن بعض الخوارزمية أخبر الحسين المرغني المأسور عند خوارزم شاه بحال الرجلين ، وأنهما هما اللذان يدبران خوارزم شاه ويأمرانه بما يفعل ، فلم يصدقه ، وأتاه بخط الأمير الحاجي ، فأخذه وأرسله إلى أخيه عمر أمير هراة ، فأخذهما واعتقلهما وأخذ أصحابهما .

[ ص: 186 ] ثم إن ألب غازي - وهو ابن أخت غياث الدين - جاء في عسكر من الغورية ، فنزل على خمسة فراسخ من هراة فكان يمنع الميرة عن عسكر خوارزم شاه ، ثم إن خوارزم شاه سير عسكرا إلى أعمال الطالقان للغارة عليها ، فلقيهم الحسين بن خرميل فقاتلهم ، فظفر بهم فلم يفلت منهم أحد .

وسار غياث الدين عن فيروزكوه إلى هراة في عسكره ، فنزل برباط رزين وبالقرب من هراة ، ولم يقدم على خوارزم شاه لقلة عسكره لأن أكثر عساكره كانت مع أخيه بالهند وغزنة ، فأقام خوارزم شاه على هراة أربعين يوما ، وعزم على الرحيل لأنه بلغه انهزام أصحابه بالطالقان وقرب غياث الدين ، وكذلك أيضا قرب ألب غازي ، وسمع أيضا أن شهاب الدين قد خرج من الهند إلى غزنة ، وكان وصوله إليها في رجب من هذه السنة ، فخاف أن يصل بعساكره فلا يمكنه المقام على البلد ، فأرسل إلى أمير هراة عمر المرغني في الصلح فصالحه على مال حمله إليه وارتحل عن البلد .

وأما شهاب الدين ، فإنه لما وصل إلى غزنة بلغه الخبر بما فعله خوارزم شاه بخراسان ، وملكه لها ، فسار إلى خراسان ، فوصل إلى بلخ ومنها إلى باميان ثم إلى مرو ، عازما على حرب خوارزم شاه ، وكان نازلا هناك ، فالتقت أوائل عسكريهما ، واقتتلوا ، فقتل من الفريقين خلق كثير ، ثم إن خوارزم شاه ارتحل عن مكانه شبه المنهزم ، وقطع القناطر ، وقتل الأمير سنجر صاحب نيسابور ; لأنه اتهمه بالمخامرة عليه ، وتوجه شهاب الدين إلى طوس فأقام بها تلك الشتوة على عزم المسير إلى خوارزم ليحصرها ، فأتاه الخبر بوفاة أخيه غياث الدين ، فقصد هراة وترك ذلك العزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية