الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ومن أحيا أرضا ميتة : فهي له ، مسلما كان أو كافرا ، بإذن الإمام أو غير إذنه ، في دار الإسلام وغيرها ، إلا ما أحياه مسلم في أرض الكفار التي صولحوا عليها . وما قرب من العامر ، وتعلق بمصالحه : لم يملك بالإحياء ) . ذكر المصنف هنا مسائل : إحداها : ما أحياه المسلم من الأرض الميتة . فلا خلاف في أنه يملكه بشروطه الآتية . [ ص: 358 ]

الثانية : ما أحياه الكفار ، وهم صنفان : صنف أهل ذمة ، فيملكون ما أحيوه . على الصحيح من المذهب . نص عليه . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وصححه في الخلاصة ، وغيرها . قال الزركشي : هو المنصوص . وعليه الجمهور . وقدمه في الهداية ، والمذهب والمستوعب ، والمغني ، والمحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والشرح ، والفروع ، والفائق ، وشرح الحارثي ، وغيرهم . وقيل : لا يملكه . وهو ظاهر قول ابن حامد . لكن حمل أبو الخطاب في الهداية ومن تبعه ذلك على دار الإسلام . قال الحارثي : وذهب فريق من الأصحاب إلى المنع منهم : ابن حامد أخذا من امتناع شفعته على المسلم . ورد . وفرق الأصحاب بينهما . وقيل : لا يملكه بالإحياء في دار الإسلام . قال القاضي : هو مذهب جماعة من الأصحاب . منهم ابن حامد . قال في المذهب ، ومسبوك الذهب : يملكه الذمي في دار الشرك . وفي دار الإسلام وجهان . فعلى المذهب المنصوص : إن أحيا عنوة : لزمه عنه الخراج . وإن أحيا غيره : فلا شيء عليه . على الصحيح من المذهب . قال الزركشي : هذا أشهر الروايتين . وعنه . عليه عشر ثمره وزرعه . والصنف الثاني : أهل حرب . فظاهر كلام المصنف : أنهم كأهل الذمة في ذلك كله . وهو ظاهر جماعة . منهم صاحب الوجيز . وهو أحد الوجهين . والصحيح من المذهب : أنه لا يملكه بالإحياء . وهو ظاهر كلامه في المغني ، والشرح ، والرعايتين ، وغيرهم . وقدمه في الفروع . [ ص: 359 ] قلت : ويمكن حمل كلام من أطلق على أهل الذمة . وأن الألف واللام للعهد . لأن الأحكام جارية عليهم . لكن يرد على ذلك : كون المسألة ذات خلاف . فيكون الظاهر موافقا لأحد القولين . ويرد كون المصنف لم يحك في كتبه خلافا . قال الحارثي : والكافر على إطلاقه صحيح في أراضي الكفار . لعموم الأدلة . وهو الصواب .

الثالثة : إن كان الإحياء بإذن الإمام : فلا خلاف أنه يملكه بذلك . وإن كان بغير إذنه : ملكه أيضا . على الصحيح من المذهب . كما جزم به المصنف هنا . فلا يشترط إذنه في ذلك . وعليه جماهير الأصحاب . قال الزركشي : عليه الأصحاب . نص عليه . وجزم في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع ، وغيره . وقيل : لا يملكه إلا بإذنه . وهو وجه في المبهج ، ورواية في الإقناع ، والواضح .

الرابعة : ما أحياه المسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها على أنها لهم فهذه لا تملك بالإحياء . على الصحيح من المذهب كما قطع به المصنف هنا . وعليه الأصحاب . وفيه احتمال : أنها تملك بالإحياء كغيرها .

الخامسة : ما قرب من العامر ، وتعلق بمصالحه كطرقه وفنائه ، ومسيل مائه ، ومطرح قمامته ، وملقى ترابه وآلاته ، ومرعاه ، ومحتطبه ، وحريمه والبئر والنهر ، ومرتكض الخيل ، ومدفن الأموات ، ومناخ الإبل ونحوها . فهذا لا يملك بالإحياء . وعليه الأصحاب . ونص عليه من رواية غير واحد ولا يقطعه الإمام . لتعلق حقه به . وقيل : لملكه له . [ ص: 360 ]

تنبيه : ظاهر قول المصنف " في دار الإسلام وغيرها " أن موات أرض العنوة كغيره . هو صحيح . وهو المذهب . جزم به في المستوعب . وقدمه في المغني ، والمحرر ، والشرح ، والفروع ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وغيرهم . واختاره ابن عبدوس في تذكرته . قال الحارثي : وهو أقوى . وعنه : لا تملك بالإحياء لكن تقر بيده بخراجها كما لو أحياها ذمي . قال الحارثي : وهو المذهب عند ابن أبي موسى ، وأبي الفرج الشيرازي . قال أبو بكر في زاد المسافر : وبه أقول . انتهى . وعنه : إن أحياه مسلم فعليه عشر ثمره وزرعه . وعنه : على ذمي أحيا غير عنوة : عشر ثمره وزرعه . وقيل : لا موات في أرض السواد . وحمله القاضي على عامره . قال في الرعاية الكبرى : وقيل لا موات في عامر السواد . وقيل : ولا غامره .

فائدة : هل يملك المسلم موات الحرم وعرفات بإحيائه ؟ يحتمل وجهين . وأطلقهما في التلخيص ، والرعاية ، والفروع . قلت : الأولى أنه لا يملك ذلك بالإحياء . ثم وجدت الحارثي قال : هذا الحق . قوله ( وإن لم يتعلق بمصالحه . فعلى روايتين ) . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والفائق ، والمحرر ، وغيرهم .

إحداهما : يملكه بالإحياء . وهو الصحيح من المذهب . قال في الكافي : هذا المذهب . وصححه في المستوعب ، والتلخيص ، والنظم ، والتصحيح ، والحارثي ، وغيرهم . قال الزركشي : هي أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب . وجزم به في الوجيز ، وغيره . وقدمه في الفروع وغيره . [ ص: 361 ]

والثانية : لا يملكه بإحيائه . وقيل : يملكه صاحب العامر دون غيره .

فوائد : إحداها : حكم إقطاع ذلك حكم إحيائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية