الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      النوع ( الثالث شرط بائع نفعا ) مباحا ( معلوما ) غير وطء ودواعيه ( في البيع كسكنى الدار ) المبيعة شهرا أو أقل منه أو أكثر ( وكحملان البعير ) أو نحوه ( إلى موضع معلوم فيصح ) لما روى جابر { أنه كان يسير على جمل قد أعيي ، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم فسار سيرا لم يسر مثله فقال : بعنيه فبعته ، واستثنيت حملانه إلى أهلي } متفق عليه يؤيده : { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا إلا أن تعلم } وهذه معلومة وأكثر ما فيه تأخير تسليمه مدة معلومة فصح ، كما لو باعه أمة مزوجة ، أو دارا مؤجرة ونحوهما [ ص: 191 ] و ( كحبسه على ثمنه ) وخبر : { أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط } أنكره أحمد وقال لا نعرفه مرويا في مسند .

                                                                                                                      ونفقة المبيع المستثنى نفعه مدة الاستثناء : الذي يظهر أنها على البائع ; لأنه مالك المنفعة لا من جهة المشتري ، كالعين الموصى بنفعها لا كالمؤجرة والمعارة ( لا وطء الأمة ) المبيعة ( ودواعيه ) أي دواعي الوطء من قبلة ونحوها فلا يصح استثناؤه ; لأن ذلك لا يباح إلا بملك أو نكاح وقد انتفيا .

                                                                                                                      ( وله ) أي للبائع ( إجارة ما استثناه ) من النفع ( وإعارته لمن يقوم مقامه ) كالعين المؤجرة لمستأجرها إجارتها وإعارتها و ( لا ) يملك إجارتها أو إعارتها ( لمن هو أكثر منه ضررا ) كالمستأجر .

                                                                                                                      ( وإن تلفت العين المستثنى نفعها قبل استيفاء بائع له ) أي للنفع ( بفعل مشتر أو تفريطه لزمه ) أي المشتري ( أجرة مثله ) أي فعل النفع المستثنى فيما بقي من المدة ، لتفويته المنفعة المستحقة على مستحقها ( لا إن تلف ) المبيع ( بغير ذلك ) أي بغير فعل المشتري وتفريطه ; لأن البائع لم يملكها من جهة فلم يلزمه عوضها له .

                                                                                                                      قال في الاختيارات : وإذا شرط البائع نفع المبيع لغيره مدة معلومة فمقتضى كلام أصحابنا جوازه فإنهم احتجوا بحديث أم سلمة { أنها أعتقت سفينة وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ما عاش } واستثناء خدمة عبده في العتق كاستثنائها في البيع ( أو شرط مشتر نفع بائع في مبيع ك ) اشتراطه عليه ( حمل الحطب ) للمبيع ( أو تكسيره أو خياطة ثوب ) مبيع ( أو تفصيله ، أو حصاد زرع ) مبيع ( أو جز رطة ) مبيعة ( ونحوه ) كضرب قطعة حديد اشتراها منه سيفا أو نحوه ( صح ) الشرط ; لأن غايته أنه جمع بيعا وإجارة وهو صحيح ( إن كان ) النفع ( معلوما ولزم البائع فعله ) وفاء بالشرط ( فلو شرط ) المشتري ( الحمل إلى منزله ، وهو ) أي : البائع ( لا يعرفه ) أي : المنزل ( لم يصح ) الشرط كما لو استأجره لذلك ابتداء قاله في شرح المنتهى وظاهره صحة البيع وعليه فيثبت له الخيار على ما يأتي في الشرط الفاسد غير المفسد .

                                                                                                                      ( وإن باع المشتري العين المستثنى نفعها ) مدة معلومة ( صح البيع وتكون في يد المشتري الثاني مستثناة أيضا ) كالدار المؤجرة إذا بيعت ( وإن كان ) المشتري الثاني ( عالما بذلك ) أي بأنها مبيعة مستثنى نفعها ( فلا خيار له ، كمن اشترى أمة مزوجة أو ) اشترى ( دارا مؤجرة ) عالما بذلك ( وإلا ) بأن لم يكن عالما بذلك ( فله الخيار ) كمن اشترى أمة مزوجة لا يعلم ذلك .

                                                                                                                      ( وإن جمع ) في بيع ( بين شرطين ولو صحيحين ) [ ص: 192 ] كحمل حطب وتكسيره ، أو خياطة ثوب وتفصيله ( لم يصح البيع ) لحديث عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا يحل سلف وبيع ، ولا شرطان في بيع ، ولا بيع ما ليس عندك } رواه أبو داود والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ( إلا أن يكونا ) أي الشرطان المجموعان ( من مقتضاه ) أي مقتضى البيع كاشتراط حلول الثمن مع تصرف كل منهما فيما يصير إليه فإنه يصح بلا خلاف ( أو ) إلا أن يكونا ( من مصلحته ) أي : مصلحة العقد ، وكاشتراط رهن وضمين معينين بالثمن فيصح كما لو كانا من مقتضاه .

                                                                                                                      ( ويصح تعليق فسخ بشرط ) كالطلاق والعتق ( ويأتي تعليق خلع بشرط ) وإنه يصح ; لأنه لما كان العوض شرطا لصحته ألحق بعقود المعاوضات ( وإن أراد المشتري أن يعطي البائع ما يقوم مقام المبيع ) المستثناة منفعته ( في ) المنفعة ( المستثناة ) أو يعوضه عنها ( لم يلزمه قبوله ) وله استيفاء المنفعة من عين المبيع لتعلق حقه به .

                                                                                                                      ( وإن تراضيا على ذلك ) أي على ما يقوم مقام المبيع في المنفعة أو على العوض عنها ( جاز ) ; لأن الحق لهما لا يعدوهما ( وإن أقام البائع مقامه من يعمل العمل ) المشترط عليه ( فله ذلك ; لأنه بمنزلة الأجير المشترك وإن أراد ) البائع ( بذل العوض عن ذلك ) العمل ( لم يلزم المشتري قبوله ) وله طلبه بالعمل ; لأنه ألزم نفسه له به .

                                                                                                                      ( وإن أراد المشتري أخذ العوض عنه ) أي : عن ذلك العمل وأبى البائع ( لم يلزم البائع بذله ) لأنها معاوضة فلا يجبر عليها من أباها منهما ( وإن تراضيا على ذلك جاز ) ; لأن الحق لا يعدوهما .

                                                                                                                      ( وإن تعذر العمل ) المشروط ( بتلف المبيع ) المشروط عمله كتلف حطب اشترط تكسيره قبله رجع المشتري بأجرة ذلك ( أو استحق ) نفع بائع بأن أجر نفسه إجارة خاصة رجع المشتري بأجرة العمل ( أو ) تعذر العمل ( بموت البائع رجع المشتري بعوض ذلك ) النفع المشروط عليه في البيع ; لأن عقد البيع مع الشرط المذكور قد جمع بيعا وإجارة وقد فات ما ورد عليه عقد الإجارة فانفسخت كما لو استأجر أجيرا خاصا فمات وإذا انفسخت الإجارة بعد قبض عوضها رجع المستأجر بعوض المنفعة .

                                                                                                                      ( وإن تعذر ) العمل على البائع ( بمرض أقيم مقامه من يعمل والأجرة عليه ) أي : على البائع ( كالإجارة ) لما تقدم .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية