الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر عدة حوادث

في هذه السنة ، في جمادى الآخرة ، توفي الأمير طاشتكين مجير الدين ، أمير الحاج . بتستر وكان قد ولاه الخليفة على جميع خوزستان ، وكان أمير الحاج سنين كثيرة ، وكان خيرا صالحا ، حسن السيرة ، كثير العبادة ، يتشيع .

ولما مات ولى الخليفة على خوزستان مملوكه سنجر ، وهو صهر طاشتكين زوج ابنته .

[ وفيها قتل سنجر بن مقلد بن سليمان بن مهارش ، أمير عبادة ، بالعراق . وكان سبب قتله أنه سعى بأبيه مقلد إلى الخليفة الناصر لدين الله ، فأمر بالتوكيل على أبيه ، ( فبقي مدة ) ، ثم أطلقه الخليفة ، ثم إن سنجر قتل أخا له اسمه . . . [ ص: 238 ] فأوغر بهذه الأسباب صدور أهله وإخوته ، فلما كان هذه السنة في شعبان نزل بأرض المعشوق ، وركب في بعض الأيام ومعه إخوته وغيرهم من أصحابه ، فلما انفرد عن أصحابه ضربه أخوه علي بن مقلد بالسيف فسقط إلى الأرض ، فنزل إخوته إليه فقتلوه .

وفيها تجهز غياث الدين خسرو شاه صاحب مدينة الروم ، إلى مدينة طرابزون ، وحصر صاحبها لأنه كان قد خرج عن طاعته ، فضيق عليه ، فانقطعت لذلك الطرق من بلاد الروم ، والروس ، وقفجاق وغيرها ، برا وبحرا ، ولم يخرج منهم أحد إلى بلاد غياث الدين ، فدخل بذلك ضرر عظيم على الناس ، لأنهم كانوا يتجرون معهم ، ويدخلون بلادهم . ويقصدهم التجار من الشام ، والعراق ، والموصل ، والجزيرة وغيرها ، فاجتمع منهم بمدينة سيواس خلق كثير ، فحيث لم ينفتح الطريق تأذوا أذى كثيرا ، فكان السعيد منهم من عاد إلى رأس ماله .

وفيها تزوج أبو بكر بن البهلوان ، صاحب أذربيجان وأران بابنة ملك الكرج ، وسبب ذلك أن الكرج تابعت الغارات منهم على بلاده لما رأوا من عجزه وانهماكه في الشرب واللعب وما جانسهما ، وإعراضه عن تدبير الملك وحفظ البلاد ، فلما رأى هو أيضا ذلك ، ولم يكن عنده من الحمية والأنفة من هذه المناحس ، ما يترك ما هو مصر عليه ، وأنه لا يقدر على الذب عن البلاد [ بالسيف ] ، عدل إلى الذب عنها بأيره ، فخطب ابنة ملكهم ، فتزوجها ، فكف الكرج عن النهب والإغارة والقتل ، فكان كما قيل : أغمد سيفه ، وسل أيره .

وفيها حمل إلى إربل خروف وجهه صورة آدمي وبدنه بدن خروف ، وكان هذا من العجائب ] .

[ الوفيات ]

وفيها توفي القاضي أبو حامد محمد بن محمد المانداي الواسطي بها .

وفيها ، في شوال ، توفي فخر الدين مبارك شاه بن الحسن المروروذي ، وكان حسن الشعر بالفارسية والعربية ، وله منزلة عظيمة عند غياث الدين الكبير صاحب [ ص: 239 ] غزنة وهراة وغيرهما ، وكان له دار ضيافة ، فيها كتب وشطرنج ، فالعلماء يطالعون الكتب ، والجهال يلعبون بالشطرنج .

وفيها ، في ذي الحجة ، توفي أبو الحسن علي بن علي بن سعادة الفارقي الفقيه الشافعي ، ببغداد ، وبقي مدة طويلة معيدا بالنظامية ، وصار مدرسا بالمدرسة التي أحدثتها أم الخليفة الناصر لدين الله ، وكان مع علمه صالحا ، طلب للنيابة في القضاء ببغداد ، فامتنع ، فألزم بذلك ، فوليه يسيرا ، ثم في بعض الأيام مشى إلى جامع ابن المطلب ، فنزل ، ولبس مئزر صوف غليظ ، وغير ثيابه ، وأمر الوكلاء وغيرهم بالانصراف عنه ، وأقام به حتى سكن الطلب عنه ، وعاد إلى منزله بغير ولاية .

وفيها وقع الشيخ أبو موسى المكي ، المقيم بمقصورة جامع السلطان ببغداد ، من سطح الجامع ، فمات ، وكان رجلا صالحا كثير العبادة .

وفيها أيضا توفي العفيف أبو المكارم عرفة بن علي بن بصلا البندنيجي ببغداد ، وكان رجلا صالحا ، منقطعا إلى العبادة - رحمه الله - .

التالي السابق


الخدمات العلمية