الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا أبو الخطاب زياد بن يحيى البصري حدثنا عبد الله بن ميمون قال : أنبأنا جعفر بن محمد ) أي : الصادق ابن الباقر ( عن أبيه قال : سألت عائشة ) قال ميرك : في سند هذا الحديث انقطاع لأن الباقر لم يلق عائشة ، ولا حفصة فإن ولادته في سنة سبع وخمسين من الهجرة ، وماتت عائشة في تلك السنة ، وماتت حفصة في سنة خمس وأربعين انتهى .

وقد حقق ابن الهمام أن الانقطاع من طريق الثبات لا يضر فالحديث حجة ، والمعنى أنه سأل سائل عائشة ( ما كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتك ) ولعل وجه التخصيص أن بيتها كان أعز البيوت عنده - صلى الله عليه وسلم - ثم بعدها حفصة لمكان أبويهما مع قطع النظر عن بقية كمالاتهما ( قالت : من أدم حشوه ليف ) وفي نسخة أدم بالرفع بدون كلمة من ثم قيل الجملة صفة لمحذوف لا لأدم ; لأنه جمع ; ولأنه لو كان صفة لأدم لاقتضى أن يكون الفراش مصنوعا من أدم حشو ذلك الأدم ليف ، وظاهر أنه ليس للأدم قبل الصنع حشو ، وإنما يكون بعدما صنع فراشا انتهى .

وهو كلام حسن المبنى ، ومستحسن المعنى ، وأغرب ابن حجر ، وقال : فيه تكلف ظاهر وقوله ; لأنه جمع مر الجواب عنه ، وقوله لاقتضى إلى آخره في هذه الملازمة التي زعمها نظر بل لا يصح ; لأن الفراش اسم لما يفرش ، وهو يكون تارة أدما ، وتارة غيره ، وإذا كان أدما فتارة يكون محشوا ، وتارة يكون بلا حشو فبينت بقولها حشوه ليف أنه أدم محشو لا خال عن الحشو ، فاندفع قوله ، وظاهر إلى آخره وحينئذ فلا يلزم على كونه صفة لأدم محذور أصلا انتهى .

ولا يخفى أن الملازمة عقلية قطعية بل بديهية ، فإنكاره حشو مع ما فيه من المصادرة الصادرة عن المكابرة ، والجواب الذي ذكره سابقا إنما يصح لو كان الأدم اسم جمع ، وحيث أنه جمع فلا مطابقة بين الضمير [ ص: 159 ] والمرجع لا لفظا ، ولا معنى ( وسئلت حفصة ) يعني أيضا ( ما كان فراش رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتك قالت : مسحا ) أي : كان مسحا ، وهو بكسر ميم فسكون مهملة أي : فراشا خشنا من صوف يعبر عنه بالبلاس ، وفي بعض النسخ مسح بالرفع على تقدير مبتدأ هو هو أو فراشه مسح ( ثنيته ) روي من الثني من باب ضرب يقال ثناه عطفه ورد بعضه على بعض ، وقوله ( ثنيتين ) بكسر أوله أي : طاقتين ، والمعنى نعطفه عطف ثنيين أي عطفا يحصل منه طاقان فالتاء للوحدة لا للتأنيث ويؤيده ما في نسخة ثنتين بدون تاء الوحدة ، والمعنى واحد ، والنصب على أنه قائم مقام المضاف الذي هو مفعول مطلق كذا حققه العصام .

وقال الحنفي : وروي من التثنية من باب التفعيل ، والظاهر هو الرواية الأولى لقوله ثنتين ، ولأن التثنية على ما في التاج جعل الشيء ثانيا ، وهو لا يلائم هذا المقام انتهى .

وكأنه أراد بجعل الشيء ثانيا أن يقع القطع بينهما ، وهو هنا ليس كذلك قال : وفي بعض النسخ ثنتين فحينئذ يكون صفة مفعول مطلق ، وعلى الأول مفعول مطلق ( فينام عليه فلما كان ذات ليلة ) بالرفع أي : تحقق ليلة فكلمة كان تامة ، وقد يروى بالنصب على الظرفية ، وحينئذ ضمير كان راجع إلى الوقت ، والزمان ، وذات مقحمة على التقديرين أو المراد بها ساعات ليلة ( قلت ) أي : في نفسي أو لبعض خدمي ( لو ثنيته ) أي : عطفت بعضه على بعض ، وهو بصيغة المتكلم الواحد من الثني على حد ضرب ( أربع ثنيات ) بكسر المثلثة ، وهو منصوب على أنه مفعول مطلق أي : طاقات لا طفقات ، وإن اقتضاه كونه مفعولا مطلقا ، وفي رواية بأربع ثنيات ، ولعل للملابسة أي : أو ثنيته ثنيا ملابسا بأربع ثنيات من قبيل ملابسة العام للخاص بأن يتحقق في ضمنه ( كان ) أي : لكان فراشه حينئذ ( أوطأ له ) أي : ألين من وطئ يوطئ إذا لان من باب حسن يحسن ، ويقال وطأ الموضع يوطأ وطأة أي : صار وطئا أي : لينا وكأنه وطئ حتى لان ( فثنيناه ) أي : له كما في أكثر النسخ المعتمدة ، وقد روي هنا بالتخفيف على أن يكون من الثني ، وبالتشديد على أن يكون من التثنية ( بأربع ثنيات ) بالياء لا غير هنا ، وفيما سيأتي ( فلما أصبح قال : ما فرشتم لي الليلة ) أي : البارحة أي : أي فراش فرشتم لي ، وصيغة المذكر للتعظيم أو لتغليب بعض الخدم ، ولعله لما أنكر نعومته ولينته ظن أنه غير فراشه المعهود أو نزله منزلة غيره ( قالت : قلنا هو فراشك ) أي : المعهود بعينه ( إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا ) استئناف بيان متضمن لتعليل وبرهان ( هو ) أي : كونه مثنيا بأربع طيات ( أوطأ لك ) أي : أوفق لك ، وأرفق لبدنك ( قال : ردوه ) أي : فراشي ( لحاله الأولى ) أي : من الثنيين ( ; فإنه ) أي : باعتبار حالته الثانية [ ص: 160 ] ( منعتني ) وفي نسخة منعني ( وطأته ) بفتح فسكون فهمز أي : لينته ( صلاتي الليلة ) أي : التهجد وفي الحديث أن النوم على الفراش المحشو لا ينافي الزهد سواء كان من أدم أو غيره ; لأن عين الأدم ، والليف المذكورين في الحديث ليست شرطا بل ; لأنها المألوفة عندهم فلحق بها كل مألوف عندهم نعم الأولى لمن غلب عليه الكسل ، ومالت نفسه إلى الدعة ، والترفة أن لا يبالغ في حشو الفراش ، ولينه ; لأنه سبب ظاهر في كثرة النوم ، والغفلة والتثاقل عن الطاعة والعبادة ، هذا وقد ورد في صحيح مسلم فراش للرجل ، وفراش للمرأة وفراش للضيف ، وفراش للشيطان قال العلماء : وإنما أضافه للشيطان ; لأنه يضاف إليه كل مذموم ، وما زاد على الحاجة ، فهو مشئوم ; لأنه إنما يتخذ للخيلاء والمباهات ، وقيل أضيف إليه ; لأنه إذا لم يحتج إليه كان عليه مبيته ، ومقيله ثم تعداد الفراش للزوج والزوجة لا ينافي أن السنة بياته معها في فراش واحد ; لأنهما قد يحتاجان إلى ذلك بمرض ، ونحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية