الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب الآية».

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج الإسماعيلي في معجمه، وابن مردويه ، عن يحيى هذا، ما هو قريب مما ذكر مرويا عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه. ويؤمنون على هذا على ظاهره لا غير، وتعقب بأن السياق والسباق مع الكفرة، وإن الظاهر كون أولم يكفهم الآية جوابا لقولهم: لولا أنزل إلخ، وفي جعل سبب النزول ما ذكر خروج عن ذلك فتأمل.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 7 ] وعليه تكون الآية دليلا لمن منع تتبع التوراة ونحوها . وروي هذا المنع عن عائشة رضي الله تعالى عنها.

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج ابن عساكر ، عن أبي مليكة قال: أهدى عبد الله بن عامر بن ركن إلى عائشة رضي الله تعالى عنها هدية فظنت أنه عبد الله بن عمرو فردتها، وقالت: يتتبع الكتب، وقد قال الله تعالى: أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم فقيل لها: «إنه عبد الله بن عامر فقبلتها» وجاء في عدة أخبار ما يقتضي المنع.

                                                                                                                                                                                                                                      أخرج عبد الرزاق في المصنف، والبيهقي في شعب الإيمان، عن الزهري أن حفصة جاءت إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بكتاب من قصص يوسف في كتف، فجعلت تقرأه عليه، والنبي عليه الصلاة والسلام يتلون وجهه، فقال: «والذي نفسي بيده، لو أتاكم يوسف وأنا بينكم فاتبعتموه وتركتموني ضللتم، أنا حظكم من النبيين وأنتم حظي من الأمم» .

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج عبد الرزاق ، والبيهقي أيضا عن أبي قلابة «أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه مر برجل يقرأ كتابا، فاستمعه ساعة، فاستحسنه، فقال للرجل: اكتب لي من هذا الكتاب، قال: نعم، فاشترى أديما فهيأه، ثم جاء به إليه، فنسخ له في ظهره وبطنه، ثم أتى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فجعل يقرأه عليه، وجعل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون فضرب رجل من الأنصار الكتاب، وقال: «ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اليوم، وأنت تقرأ عليه هذا الكتاب، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عند ذلك: إنما بعثت فاتحا وخاتما، وأعطيت جوامع الكلم وخواتمه، واختصر لي الحديث اختصارا، فلا يهلكنكم المتهوكون»

                                                                                                                                                                                                                                      أي الواقعون في كل أمر بغير روية، وقيل: المتحيرون إلى ذلك من الأخبار، وحقق بعضهم أن المنع إنما هو عند خوف فساد في الدين، وذلك مما لا شبهة فيه في صدر الإسلام، وعليه تحمل الأخبار، وقد تقدم الكلام في ذلك، فتذكر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية