الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وما هذه الحياة الدنيا إشارة تحقير، وكيف لا، والدنيا لا تزن عند الله تعالى جناح بعوضة.

                                                                                                                                                                                                                                      فقد أخرج الترمذي عن سهل بن سعد قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : لو كانت الدنيا تعدل عند الله تعالى جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء» .

                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض العارفين: (الدنيا أحقر من ذراع خنزير ميت بال عليها كلب بيد مجذوم)، ويعلم مما ذكر حقارة ما فيها من الحياة بالطريق الأولى إلا لهو ولعب أي إلا كما يلهو ويلعب به الصبيان، يجتمعون عليه ويبتهجون به ساعة ثم يتفرقون عنه، وهذا من التشبيه البليغ وإن الدار الآخرة لهي الحيوان أي لهي دار الحياة الحقيقية إذ لا يعرض الموت والفناء لمن فيها، أو هي ذاتها حياة للمبالغة، ( والحيوان ) مصدر حيي سمي به ذو الحياة في غير [ ص: 13 ] هذا المحل، وأصله حييان فقلبت الياء الثانية واوا على خلاف القياس فلامه ياء وإلى ذلك ذهب سيبويه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: إن لامه واو نظرا إلى ظاهر الكلمة، وإلى حياة علم رجل، ولا حجة على كونه ياء في حي، لأن الواو في مثله تبدل ياء لكسر ما قبلها، نحو: شقي من الشقوة، وهو أبلغ من الحياة لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب اللازم للحياة، ولذلك اختير عليها في هذا المقام المقتضي للمبالغة، وقد علمتها في وصف الحياة الدنيا المقابلة للدار الآخرة لو كانوا يعلمون شرط جوابه محذوف، أي لو كانوا يعلمون لما آثروا عليها الدنيا التي أصلها عدم الحياة، ثم ما يحدث فيها من الحياة فيها عارضة سريعة الزوال وشيكة الاضمحلال، وكون ( لو ) للتمني بعيد.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية