الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: والذين هادوا يعني به: اليهود، قيل: سموا بذلك من قولنا: (هاد) ؛ إذا تاب، وأصله: الطمأنينة، فـ (هاد) : اطمأن إلى الإقلاع عن الذنب.

                                                                                                                                                                                                                                      [وقيل: نسبوا إلى يهوذا بن يعقوب عليه السلام، فقلبت الذال دالا حين عرب].

                                                                                                                                                                                                                                      {والنصارى} : منسوبة إلى قرية كان ينزلها عيسى ابن مريم عليه السلام تسمى: ناصرة، عن قتادة وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: لنصرتهم عيسى عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      و (الصابئون) بالهمز: الخارجون عن الحق، ومنه: (صبأ ناب الصبي) يصبأ، صبوءا; إذا خرج، وإذا لم يهمز; جاز أن يكون من (صبا يصبو) ؛ إذا [ ص: 245 ] مال، وجاز أن يكون مخففا من المهموز، على ما هو مذكور في باب الهمز في الأصول.

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم المراد بـ الذين آمنوا في أول الفصل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المراد بها: الرهبان الذين صحبهم سلمان.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الحسن وقتادة : الصابئون: قوم يعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، ويصلون إلى القبلة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : هم قوم بين اليهود والنصارى، لا تحل مناكحتهم، ولا تؤكل ذبائحهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ابن عباس : هو الجبل الذي ناجى الله تعالى عليه موسى عليه السلام.

                                                                                                                                                                                                                                      [وعنه أيضا: الطور من الجبال: ما أنبت، دون ما لم ينبت].

                                                                                                                                                                                                                                      مجاهد وقتادة : ( الطور ) : الجبل أي جبل كان، مجاهد : وهو بالسريانية.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي: أن سبب رفع الطور : أنهم لما لم يؤمنوا بما جاء به موسى; اقتلع الجبل من أصله، ورفع عليهم، وأتوا ببحر من خلفهم، ونار من قبل وجوههم، وقيل لهم: خذوا ما آتيناكم بقوة ، فأخذوا الكتاب كارهين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: رفع عليهم الطور حين لم يسجدوا فسجدوا، وجعل كل واحد منهم [ ص: 246 ] ينظر بإحدى عينيه إلى الجبل خوفا من أن يسقط عليهم، وكذلك تسجد اليهود إلى اليوم.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {بقوة} : بجد، عن ابن عباس، وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      واذكروا ما فيه أي: ما فيه من أمر الله ونهيه، وصفة محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      ثم توليتم من بعد ذلك أي: توليتم عن أمر الله من بعد ما رأيتم من الآيات.

                                                                                                                                                                                                                                      ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت أي: عرفتموهم، واشتقاق {السبت} [من معنى القطع، فهو يوم قطع العمل، وقيل: {السبت} : الهدوء والراحة، وكان اعتداؤهم في السبت]: أنهم حبسوا فيه الحيتان، وكانت تجتمع فيه ولا تأتي في غيره، وصادوها في الأحد.

                                                                                                                                                                                                                                      فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين روي: أنهم مسخوا قردة، فأقاموا ثلاثة أيام، ثم ماتوا، قاله ابن عباس، وقال: لم يحي مسخ قط أكثر من ثلاثة أيام، ولم يأكل، ولم يشرب.

                                                                                                                                                                                                                                      وذهب مجاهد من بين سائر المفسرين- إلى أنهم لم يمسخوا حقيقة المسخ، [ ص: 247 ] وإنما مسخت قلوبهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة : كانوا ثلاث فرق: فرقة نهت، وفرقة عصت، وفرقة لم تنه ولم تعص، ولم يختلف المفسرون في أن التي عصت مسخت، سوى ما ذكرنا عن مجاهد، وأن التي نهت نجت، واختلفوا في التي لم تنه ولم تعص فقيل: مسخت، وقيل: نجت.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى {خاسئين} : بعداء.

                                                                                                                                                                                                                                      فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها أصل (النكال) : المنع، فهو يمتنع من أجله من عمل ما نكل بسببه.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس : لما بين يديها وما خلفها لمن حضر معهم، ولمن يأتي بعدهم، وموعظة للمتقين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وعنه أيضا: ما عملوا قبل صيد الحيتان وبعده.

                                                                                                                                                                                                                                      الضحاك: ما بين يدي العقوبة من ذنوبهم، وما خلفها : [من يعمل مثلها، مجاهد، والحسن : لما بين يديها : من ذنوبهم المتقدمة، وما خلفها ]: التي مسخوا بسببها.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في {فجعلناها} للأمة الممسوخة، أو العقوبة، أو القردة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية