الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( حدثنا علي بن حجر أنبأنا ) وفي نسخة أخبرنا ( سويد بن عبد العزيز عن حميد ) بالتصغير ( عن أنس بن مالك أن امرأة ) أي : كان في عقلها شيء كما في رواية مسلم وعند البخاري امرأة من الأنصار ، وفي رواية ومعها صبي لها ( جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن لي إليك حاجة ) أي : أريد أن أخفيها عن غيرك ( فقال : اجلسي في أي طريق المدينة شئت ) أي : في أي جزء من أجزاء طريقها نحو قوله تعالى وما تدري نفس بأي أرض تموت أو بمعنى أي طريق من طرق المدينة أردت ( أجلس ) مجزوم في جواب الأمر أي : أقعد أنا في ذلك الطريق متوجها ( إليك ) أو معك حتى أقضي حاجتك وفي رواية مسلم انظري أي السكك شئت فخلا معها في بعض [ ص: 163 ] الطرق حتى فرغت من حاجتها ، وكذا رواه أبو داود ، وفيه دليل على حل الجلوس في الطريق لحاجة ، والنهي عنه محمول على من يؤذي أو يتأذى بجلوسه فيها .

قال العسقلاني : نقلا عن المهلب لم يرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار الناس ممن كان معه ، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع شكواها من حضر معها قال العسقلاني : لم أقف على اسم المرأة ، وقال ميرك : رأيت في كلام بعض من كتب الحواشي على كتاب الشفاء أن اسم هذه المرأة المذكورة في طريق مسلم أم زفر ماشطة خديجة ، وأظنه سهوا فإن أم زفر ليست من الأنصار ، وروايات البخاري صريحة في أنها أنصارية حتى ورد في رواياته أنه قال : والله أو ، والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إلي زاد بهذه مرتين ، وفي رواية وهب بن جرير عن شعبة ثلاث مرات اللهم إلا أن يقال إن المرأة المذكورة في رواية مسلم غير المذكورة في رواية البخاري لكن الظاهر اتحاد القصة كما هو الظاهر من سياق الروايات هذا وعند البخاري من طريق هشيم عن حميد عن أنس قال : كانت أمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتنطلق به حيث شاءت .

ولأحمد من هذا الوجه ، فتنطلق به في حاجتها ، وله من طريق علي بن زيد عن أنس إن كانت الوليدة من ولائد أهل المدينة لتجئ فتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت ، وأخرجه ابن ماجه من هذا الوجه ، والمقصود من الأخذ باليد لازمه وهو الرفق والانقياد وقد اشتمل على أنواع من المبالغة في التواضع لذكر المرأة دون الرجل ، والأمة دون الحرة وحيث عم بلفظ الإماء أي : أي أمة كانت ، وبقوله حيث شاءت أي : من الأمكنة ، والتعبير بالأخذ باليد إشارة إلى غاية التصرف حتى لو كانت حاجتها خارج المدينة ، والتمست منه مساعدتها في تلك الحاجة لساعدها على ذلك ، وهذا دليل على مزيد تواضعه ، وبراءته من جميع أنواع الكبر ، وعند النسائي كان - صلى الله عليه وسلم - لا يأنف أن يمشي مع الأرملة ، والمسكين فيقضي له الحاجة ، وفي الحديث أيضا صبره على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين ، وإجابته من سأله حاجة ، وبروزه للناس وقربه منهم ليصل إليه ذوو الحقوق إلى حقوقهم ، ويسترشد الناس بأقواله ، وأفعاله وأحكامه تنبيها منه لحكام أمته ، ونحوهم على أن يقتدوا به في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية